Sunday, April 17

السفر في الليالي المظلمة ) فاروق جويدة )

وغدا تسافر

والأماني حولنا.. حيرى تذوب

والشوق في أعماقنا يدمي جوانحنا

ويعصف بالقلوب

لم يبق شيء من ظلالك

غير أطياف ابتسامة

ظلت على وجهي تواسيه

وتدعو.. بالسلامة

* * *

وغدا سمنضي فوق أمواج الحياة..

لا نعرف المرسى

وتاهت كل أطواق النجاة

لم لم تعلمني السباحة في البحار؟

لم لم تعلمني الحياة بغير شمس.. أو نهار؟

والصبر.. يا للصبر حلم زائف..

وهم يعذبنا ومأوى.. كالدمار

وغدا تسافر

والمنى حولي تذوب

أتراك تعرف كيف يغتال الهوى

نبض.. القلوب؟

والآن تجمع في الحقائب

عطر أيام.. الهوى

وعلى المقاعد نامت الذكرى

على صدر المنى..

ما كنت أحسب أننا يوما

سنرجع.. قبل منتصف الطريق

ومع النهاية نحمل الماضي

صغيرا.. مات منا في حريق..

وتسافر الأشواق في أوراقنا

والحب يبكي كلما اقتربت نهايتنا

ويسرع.. نحونا..

وعقارب الساعات تصمت..

قد يتوه الوقت..

قد يمضي قطار الليل

قد ننسى.. ونرجع بيتنا

الدرب أظلم حولنا..

من يا ترى سيضيء

هذا الدرب.. حبا مثلنا؟!

الدرب أقسم أن يخاصم

كل شيء.. بعدنا

وهناك في وسط الطريق شجيرة

كم ظللت بين الأماني.. عمرنا

مصباحنا المسكين ودع نبضه..

ولكم أشاع النور عطرا.. بيننا

شرفات مسكننا المسكين تحطمت..

عاشت أمانينا وذاقت كأسنا

وبراعم النوار بين دموعها

ظلت تعانقني.. وتسألني: ترى..

سنعود يوما.. بيتنا؟


عمرو سلامة يكتب: رسالة إلى كل معارضي الثورة

قامت الثورة، و كان لها من المؤيدين من الشعب المصري العدد الكافي لدعمها لجعلها ثورة شعبية لها شرعيتها الخاصة.


إفترقت وجهات النظر و نوع المشاركات مع الثورة، هناك من حفز لها، هناك من دعمها بكل ما أوتى من قوة، هناك من دعمها من خلف شاشات التلفاز، و هناك من دعمها بأضعف الإيمان، بقلبه.


و هناك على النقيض من حاول قمعها، و من حاول محاربتها، بالسلاح أو بالإعلام، أو بالتشويه و السب و القذف، و هناك من قرر أن لا يعطيها الشرعية و لم يعترف بها، لدرجة أنها بالنسبة له مجرد فوضى، و هناك من كان يدعمها و تخلى عنها في أي وقت لإنه غير من وجهة نظره.


كل الإحترام لكل وجهات النظر، و كل التحقير لكل الجرائم التي أقترفت، ليس في حق الثورة فقط، بل في حق تحقيق عدل الله على الأرض.


أكتب هذه الرسالة ببعض من الحزن و الكثير من الأمل، لتوصيل وجهة نظر لمن لم يغلق أذنه بعد، و مازال يحظى بالقليل من الموضوعية و البحث عن الحقيقة.


أكتبها لكل من يسب الثورة، أو الشباب الذين قاموا بها، أكتبها لكل من لا يعطي الثورة حقها و يظنها ثورة "شوية شباب جمال نزلوا ميدان التحرير رجعولنا الكرامة" أكتبها لكل من يتسائل "هم العيال ديه عايزين إيه؟ مش كفاية كده؟" أكتبها لكل الخائفين من غياب الأمن أو على مستقبل مصر، أكتبها لكل من يظن ان الثورة تغالى أو تتمادى، أكتبها لكل من يقول "مش كل مصر ميدان التحرير"٠


أنا مش بكتب أقولكم إنتم غالطانين و أنا جاي أصلحلكم فكركم، أنا بكتب بقولكم إن يمكن الثورة اللي غلطانة إنها ماوصلتش وجهة نظرها كفاية ليكم عشان تفهموا وجهة نظرها، و يمكن أنا أساعد في العملية ديه لو قدرت.


مازال البعض يظن أن الثورة ديه مؤامرة، مؤامرة لقلب نظام الحكم، مؤامرة خلفها مصالح لدول أخرى، أو قوى سياسية أو حتى ورائها مصالح شخصية.


هل كمية الفساد التي كانت موجودة تحتاج لعامل محفز؟ ألم تكن محفزة بالقدر الكافي لآلاف الثورات؟ و خصوصا مع وجود إعلام مفتوح جعلنا ندرك أننا في ذيل الأمم؟ في قعر حلة الكون؟


ألم تدخل على مقاييس الفساد العالمية قبل الثورة لتدرك أنهم كلهم أجمعوا أن مصر بقياداتها في الربع الأكثر فسادا في العالم؟


أنسيت رعبك عندما كنت تتكلم في السياسة في مطعم أو بين أصدقاء أحدهم لم يتربى معك؟


ألازلت تشك أن مبارك كان ديكتاتور؟ أليس الديكتاتور هو من يقمع معارضيه و ينهي على الحياة السياسية و الإهتمام السياسي للشعب حتى لا يهدد وجوده؟ قمع كل المعارضة، عرقل معظم الأحزاب، و لبس قضايا لكل من يحاول يناطحه بأي شكل؟


ألازلت تشك أنه كان يحاول تمرير السلطة لإبنه كإنها عزبة؟ الازلت تشك أنه فشل في ثلاثين عاما في تعليم الشعب و تثقيفه أو حتى إيجاد قوته في وقت إغتنى فيه رجال أعمال مصر أكثر من رجال أعمال أوروبا؟


ألازلت تظن أنه بطل حرب لمجرد إدارته الطلعة الجوية؟ حتى لو كان بطل حرب، هل سيشفعله ذلك في كل الجرائم التي أقترفت في عصره؟


لماذا لم يستقل القضاء؟ لماذا كنت تعلم كمواطن إن حقك مش هتاخده لو رحت القسم؟ و لا لو رحت المحكمة؟ أين العدل في دولة تخاف تدخل فيها قسم شرطة حتى لو كان الحق لك، و تدرك يقينا أن المحكمة لن تقيم العدل و إن فعلت يكون عدل بطيء يساوي الظلم بل قد يكون أقبح منه.


لماذا عاش الناس في عشوائيات و سط قيام مدن على أعلى مستوى بأسعار فلكية تباع فيها الأراضي بملاليم؟ لماذا كان خريج الجامعات لا يدري إسم وزير التعليم العالي؟ لماذا لا يعرف أكثر من تسعة و تسعون في المائة من الشعب معنى كلمة ديموقراطية أو أي مصطلح سياسي بسيط؟


لماذا أجهضت كل المشاريع العلمية و التنموية و السياسية و حتى الخيرية التي لم تأخذ ختم الحزب الوطني؟


هل كانت إحدى تلك المعلومات غير معروفة لك وقتها؟ لأنك لم تكن تهتم بالسياسة أو لإنك مش عايز تعكنن نفسك.


هل كنت تعلمها و لكنك عديم التفاؤل أو الشجاعة لمواجهتها؟


هل كنت تعلم بإستفحالها فتشارك فيها من باب إن "الدنيا في مصر مابتمشيش غير كده"؟


لو كانت الإجابة بنعم، فبقولك إن من صنع الثورة، هم من كانوا يهتمون، و يعرضون حياتهم و مستقبلهم للخطر لمجرد إعتراضهم وقتما كنت سيادتك جالس في الكافيه أو بتطمن على المرتب أول الشهر أو فوائد الوديعة.


هؤلاء منهم من أستشهد و ضرب و شم الغاز و أعتقل و أصيب وقتما كنت تتسائل "هو الشارع زحمة ليه النهاردة؟"٠


هؤلاء هم من قبلوا أرجل باقي الشعب ليسمعهم طوال أعوام.


هؤلاء هم أصلا أقل الفئات تضررا و يقفون وقفة حق ليأخذوا حق لمن لا يعلم أن له حق أصلا لم يأخذه.


هؤلاء من نزلوا ليطالبون برغيف العيش للفقراء بعد أن أكلوا ما لذ و طاب قبل أن يأتون للمظاهرة، ثم يضربون و يهانون و يجرون خوفا من القبض عليهم ليركب أحدهم تاكسي يقوده سائق مدقع الحال فيشتم له في شباب المظاهرات اللي موقفين حال البلد.


هؤلاء هم نفسهم من كانوا يقبلون أصابع رجل الشعب ليدرك أن كل مطالبهم مشروعة، رحيل مبارك مشروع، رحيل نظامه مشروع، دستور جديد مشروع، و مازالوا يطالبون بكل ما هو مشروع و هدفه الصالح العام، و مازال كل ما هو عام يجلس و ينتقد و في بعض الأحيان يسب و يلعن و يتهم أيضا بالعمالة و الخيانة لو أتاحت له الفرصه.


لكن السؤال الأعظم، لماذا تريد أن تنتقدهم؟ لماذا تحب من قلبك كل رواية تثبت خيانتهم؟


أقولك ولا تزعلش؟


يمكن عشان مش عايز تلوم نفسك، عشان مش عايز تحس إنك كنت أو مازلت سلبي، عشان الوضع العام مش مدايقك أوي على قد ما تضرر وضعك الخاص مدايقك، عشان شايف إن رأيك إستحالة يكون غلط، عشان الإعتراف بالغلط محتاج شجاعة كبيرة، عشان وضعك الخاص ما تضررش بالفساد، بل يمكن إستفاد منه، فلو رجع الوضع لما كان عليه مش هتدايق قوي يعني... بيس.


عشان كنت شاطر في إنك تلوم الشعب على فقره و جهله و عدم مقدرته على الإيجاد القوت و العلاج، بأسباب مثل "ما هو شعب وسخ مش عايز يتعلم" ، "ما هم اللي بيخلفوا كثير"، "ما هم اللي مش عايزين يشتغلوا".. ما هم.. ما هم.. مش أنا.. مش أنا.. إلخ إلخ.


مش ده نفس الشعب الي إشتغل لما أتيحت له الظروف في الماضي؟ أو لما بيسافر برا؟ و مين اللي وصلوا لكده؟ مين اللي سابوا؟ مين اللي ماعرفش يحل مشاكله؟ سيبك بقى، مين اللي شاف كل ده و سكت؟ مين؟ هه؟


طبعا إنت عارف الإجابة، بس إنت لو مالمتش الشعب هتضطر تلوم نفسك إنك مش بتقف و تيجي على نفسك، و تخاطر عشان تاخدله حقه، و تعارض الحكومة اللي عاملة فيه كده.


الإنسان لو حب فكره، و حاسس إن الفكرة ديه هتريحه و تنيمه الليل بدون تأنيب ضمير، هيستثمر فيها، و يحاول يدور بميكروسكوب على كل الدلائل اللي تأكد الفكرة ديه، إن كانت إن الشعب هو اللي وسخ و يستحق مبارك، أو إن كانت إن كل من كان ليس مثلهم و سكت و تجرأ و طالب بالتغيير هو شرير و له مصالح أخرى، هو أحسن مني يعني؟ ما أنا ساكت أهه..


عندما تجد ثورة وقف لها العالم إحتراما و تبجيلا و لا ينتقدها إلى هؤلاء المصريين اللي معظمهم الثورة قامت أصلا عشانهم، فإنه شيء فعلا مخزي و محزن.


نفسي كل من ينتقد الثورة و شبابها و الناس اللي تعبوا عشانها ضميره يبدأ يأنبه، مش لازم يشارك، مش لازم يشهر سيفه و يحارب من أجل الحق، بس على الأقل مايحاولش يستثمر في أي فكرة تحاول تشويه الثورة أو من قاموا بها.


و إعرف كويس، لو كان إبنك إتضرب من ظابط زمان و جه يعترض لقى في جيبه بقدرة قادر حتة حشيش، لو كان مصنعك إتقفل بسبب ظلم الإحتكار و فلست و فكرت في الإنتحار بعد قتل أولادك عشان مايموتوش من الجوع، لو كان ليك قضية ماتنفذش حكمها، لو كان إبنك مات و هو نازل يطالب بحقه المشروع، كان زمانك دلوقتي في ميدان التحرير، و لو ده ماحصلكش فده ماحصلكش لسبب من إثنين، صدفة كونية و حظ مطلق، أو لإنك كنت في طرف الظالم الفاسد اللي أوقع الظلم ده عن الناس.


التاريخ بيتكتب دلوقتي حالا و إنت قاعد تقرا الكلام ده، قدامك حل من إثنين، يا تمسك قلمك و تعمل اللي يريح ضميرك، يا تشتم و تشوه و تنتقد، و التاريخ هيفتكرك و لما تموت هتقف قدام رب هيحاسبك و لما تيجي تتحجج قدامه بالحجج اللي إستخدمتها كمنوم، أكيد أكيد.. هيكون فاقسك.


و دلوقتي أسيبك، ليك، و لضميرك.


Sunday, April 3

يسري فوده : الجيش والشعب.. فى أزمة

نعم.. لنكن صرحاء.. الجيش والشعب فى أزمة. ومثلما ارتج ميدان التحرير، قبل أسابيع قليلة، بذلك الهتاف الذى أعاد الروح إلى الصدور: «الجيش والشعب.. إيد واحدة»، فإن من واجبنا اليوم نحو الوطن أن نسمح لما يجول فى الصدور بأن يمر عبر الحلقوم قبل أن يقتل الروح. من واجبنا اليوم أن نهتف: «الجيش والشعب.. فى أزمة»، فهذه أولى الخطوات على طريق الخروج منها معاً سالمين.

الجميل أنها «أزمة واحدة» مشتركة، ومن ثم يمكن اعتبار أنها تجمع ولا تفرق. بروح كهذه نستطيع أن نختطف الدفقة الإيجابية قبل أن تختطفنا الدفقة السلبية. لكن الذى ليس على المستوى نفسه من الجمال أن شيئاً ما لابد أن يحدث، ولابد له من أن يحدث الآن قبل أن تنفجر الصدور بما فيها. ورغم أن شهر العسل كان هو نفسه قد انتهى فى نظر البعض قبل نحو شهر، فإن ما يدعونا إلى الانتباه إلى هذه المسألة اليوم هو حاجة ملحة لدى الطرفين، صارت فى هذه اللحظات أكثر إلحاحاً، لأن يتفقا معاً على ثلاثة أهداف واضحة.

أولاً: تذكير كل منهما الآخر بدوافعه وظروفه وآماله وإحباطاته. وثانيا: الاعتراف بالأخطاء مهما صغرت ومهما كبرت، فلا أحد معصوماً من الخطأ ولا حتى الأنبياء. وثالثاً: تحييد القوة الثالثة، وهى قوة حتمية الوجود أثبت التاريخ أنها دائماً ما تنشط فى مثل هذا الطور من أطوار الثورات وينتعش نشاطها كلما أهمل الناس الهدفين الأولين.

كى يحدث هذا سيكون من المفيد أولاً أن يتخلى الجيش عن لهجة الأب، وأن يتخلى الشعب عن لهجة التحدى. سيكون من المفيد أيضاً أن يدرك الطرفان حقيقة تتوارى أحياناً من فرط وضوحها وهى أنهما معاً فى قارب واحد يخوض عباب بحر هائج يزيد هيجانه بفعل دوامات مستميتة من الداخل وبفعل عواصف رعدية من الخارج. وسيكون من المفيد أخيراً إيجاد التوازن بأسرع ما يمكن بين تؤدة المؤسسة العسكرية الضخمة، وهدير جيل جديد رشيق شغوف رأى بعينيه وذاق بلسانه ثمار كسر حواجز الخوف والإحباط والتردد.

ومما هو واضح أن ثمة حواراً جاداً لم يحدث فى البداية قبل اتخاذ عدد من الخطوات الحاسمة التى سينبنى عليها كل شىء آخر، وهو ما يجعلنا نتساءل عن جدوى الحوار الوطنى الذى ترعاه الحكومة بصورته الحالية وبتوقيته وبصلاحياته، خاصة أنه لم ينجح فى استقطاب واحد على الأقل من أهم الأطراف، إن لم يكن أهمها جميعاً. يجعلنا نتساءل عن جدواه إن لم يكن مخولاً بفرض توصياته حتى فيما يتعلق بملفات يبدو أنها طويت أو فى طريقها إلى الطى.

لكن ما يدعونى حقاً إلى هذه الوقفة أن ثمة قصة تتكشف أبعادها يوماً بعد يوم ولا يمكن السكوت عليها. وإذا كنت لم أتعرض لها من قبل فإن لذلك أسباباً وطنية ومهنية وأخلاقية. ويهمنى فى هذا المقام أن أؤكد بكل وضوح أننى لم أتعرض إلى ضغوط من المؤسسة العسكرية كى أدفن أى قصة، وإنما أنا أؤمن بأن الحرية مسؤولية، وبأن المسؤولية تتضاعف حين يتعلق الأمر بصالح الوطن وبوحدة الصف. كما يهمنى ثانياً أن أشير إلى أننى لا أملك القناة التليفزيونية التى أعمل بها، ومن ثم ليس من حقى تسخيرها لقناعاتى الشخصية فى مسألة هى بطبيعتها فى غاية الحساسية، خاصة أننا جميعاً لم نصل بعد إلى جميع حقائقها وتفاصيلها وزواياها المختلفة. ويهمنى أخيراً أن أطرح أن لحظة التأكد من الحقائق تضغط فى النهاية على الضمير المهنى الأخلاقى وتعلو به فوق مستوى الحسابات المشار إليها أعلاه، لأنها لدى تلك اللحظة تتحول من تلقاء ذاتها إلى «صالح الوطن» بعينه.

لأول مرة منذ بدء الثورة أتعرض لغضب من الطرفين. لم يحدث هذا من قبل، وفى هذا ناقوس خطر ينبغى أن يزعجنا جميعاً. بل إننى شعرت فجأة بأننى صرت مرمى لإحباطات كل منهما ولشعور كل منهما بأن الطرف الآخر يخذله. وحقيقة الأمر أن لكل منهما حقاً فى إحساسه بالإحباط والخذلان. فالجيش - هذه المرة ممثلاً فى شخص اللواء ممدوح شاهين – يشعر بأن أحداً لا يشعر به ولا يقدر مجهوده الضخم. وفى محاولته شرح ذلك يتركنى فى موقف لا أحسد عليه بين واجبى فى تفهم وجهة نظره المبنية دون شك على ما يرى فيه صالح الوطن، وإن شابها بعض الانفعال، وواجبى فى الدفاع عن ضيوفى المحترمين - الدكاترة هشام عيسى وجمال زهران وحسن نافعة - الذين عبروا بدورهم عن وجهة نظرهم المبنية هى أيضاً دون شك على ما يرون فيه صالح الوطن. اتفقت النوايا واتفق الهدف لدى الطرفين لكن وادياً عميقاً دون ذلك أسفر عن وجهه لأول مرة.

ولأول مرة أيضاً أتعرض لغضب الشعب - هذه المرة ممثلاً فى مجتمع تويتر - الذى يشعر بأن الجيش لا يشعر به حين يتعلق الأمر بعصب الثورة التى اتخذت من مفاهيم الحرية والكرامة والعدالة محوراً لقائمة طويلة من الأهداف النبيلة، ثم فوجئ بأن شيئاً ما يمس هذا العصب نفسه، وهو ما يبعث فى النفوس قلقاً شديداً على كل ما يحيط بالعصب من خلايا ومن أنسجة. هذه هى القصة التى فشلنا - نحن الإعلاميين المصريين - فى التعرض لها منذ أن أخذت ملامحها فى التكون عندما بدأت الشرطة العسكرية، بشكل مباشر أو من خلال الحكومة، فى الدفع باتجاه «لملمة» الأمور وفض الاعتصامات والتظاهرات والتجمهرات بصورة رافقتها أحداث مؤسفة وأخطاء وانتهاكات قامت الثورة أساساً لإسقاطها مع عهد مبارك كله.

لقد صار لدينا اليوم من تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية، ومن إفادات المتضررين وشهود العيان، ما يكفى كى ننزعج جميعاً إلى أبعد حد. الوقائع يعلمها من هم من المفترض أن يعلموا وكذلك أسماء المعتقلين وما حدث لهم، وربما لايزال يحدث حتى هذه اللحظة. من هم من المفترض أن يعلموا أيضاً أن الثورة لم تتعقب جهاز أمن الدولة كى ينتهى بنا الحال إلى اختفاءات قسرية وإلى تعذيب وإلى اختبارات عذرية وإلى محاكمات عسكرية تفتقد الشفافية ولا تضمن بالضرورة أدنى درجات العدالة لا فى عهد أعاد للمصرى قيمته بين البشر، ولا حتى فى عهد من المفترض أن الجيش وضع «إيده فى إيد» الشعب لإسقاطه.

إننا جميعاً فى خطر، وما عودة الروح إلى ميدان التحرير إلا نتيجة طبيعية لإحساس الشعب بأن شيئاً ما لا يسير فى الاتجاه الصحيح. نقول هذا مع حرصنا على تقديم صادق الشكر والتقدير للجيش المصرى، جنوداً وضباطاً وقيادة، لما يبذلونه من جهد خارق فى أخطر تحد يواجهنا منذ حرب أكتوبر المجيدة. ونقوله أيضاً مع حرصنا على تقديم صادق الشكر والتقدير لكل من يقدره الله من شعب مصر على أن يقدم لها ما ينفعها فى هذه اللحظات الحاسمة، قولاً أو فعلاً، جرأة فى الحق ونزاهة فى المقصد.

المصدر : جريدة المصري اليوم

News