Sunday, October 30

جنازة الشهيد : عصام عطا بميدان التحرير

تضامن وأدعم اليوم من قد تحتاج الي دعمه وتضامنه غدا


علاء أحمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد .. والمعروف لدي الجميع علاء عبد الفتاح أو التنين البمبي
علاء من مواليد 18 نوفمبر 1981 ، مبرمج ومطور لبرامج الكومبيوتر وهو من أشهر المدونين والناشطين الحقوقيين المصريين لأكثر من خمس سنوات وتحديدا منذ العام 2006 وذلك عندما اعتقل في السابع من مايو 2006 مع مجموعة من المدونين ونشطاء المصريون اثناء وقفة احتجاجية سلمية من أجل استقلال القضاء المصري وقد تأسست وقتها مدونة جديدة عنوانها " Free Alaa " وخصصت للمطالبة باطلاق سراح علاء عبد الفتاح
وهذا غير مدونته المشتركة مع زوجتة المدونة منال حسن باسم " manalaa  "
ويوم اطلق سراح علاء بعد 45 يوما صرحت زوجته لجريدة الاندبندت البريطانية " انه لا تراجع بعد اليوم وسوف نستمر في انشطتنا السياسية "
علاء هو ابن الناشط السياسي المصري أحمد سيف الاسلام المحامي والحقوقي المصري ومدير مركز هشام مبارك للقانون والذي تأسس عام 1994 للدفاع عن حقوق العمال والمعتقلين السياسيين في عهد المخلوع حسني مبارك
أما والدته الدكتوره ليلي يوسف استاذه الرياضيات بكلية العلوم بجامعة القاهرة وهي قيادية بارزة في حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات
مني سيف هي الشقيقة الصغري للمدون والناشط علاء عبد الفتاح وهي باحثة بيولوجية متخصصة في دراسة مرض السرطان وناشطة بارزة في حركة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين "

وتعود شهرة علاء عبد الفتاح الي اكثر من خمس سنوات مضت كواحد من أفراد الجيل الاول للمدونيين عندما كان التدوين صفة جديدة علي المجتمع المصري ولم تكن منتشرة في ذلك الحين .
وعندما اعتقل علاء لمدة 45 يوم في الوقفة السلمية للمناداة باستقلال القضاء .. عرف وقتها ان مشواره سيأخذ منعطفا جديدا بعيدا عن عالم الكومبيوتر والبرمجيات

علاء يمارس التدوين والسعي وراء حصول بلدنا علي حريته واستقلاله من الفساد والاستبداد ..
علاء لم يفقد الامل يوما أنه سيري مصر حرة ينعم فيها كل مصري بحريته واستقلاله
علاء كان يمكن أن يكون مبرمجا مشهورا ينتشر صيته عبر العالم وتتهافت عليه كبري الشركات
علاء ترك عمله مع كبري شركات البرمجيات المعنية بتطوير برمجيات open source  بجنوب افريقيا مع اولي ايام الثورة ليكون وسط اهله وأبناء وطنه يشاركهم حلم التغيير
علاء لم يهرب يوما وابدا لم يكن جبانا .. علاء كان خارج مصر عندما علم بطلب استدعائه للنيابة العسكرية .. وعاد بكل شجاعة الي بلده ليواجه المحققين .. وهو يعلم تمام العلم ما يعرض له نفسه من مخاطر
علاء أشجع من كثير من الوزراء ورجال الاعمال المشهورين الفاسدين الهاربين خارج مصر ولم يجرؤ أحدهم أن يعود ليواجه الاتهامات المنسوبة اليه

اليوم علاء عبد الفتاح تقرر النيابة العسكرية حبسه لمدة 15 يوما علي خلفيه اتهامات منسوبه اليه زورا بالتحريض والاشتراك في التعدي علي القوات المسلحة واتلاف معدات للقوات المسلحة .. والتظاهر والتجمهر وتكدير الامن العام .. خلال أحداث ماسبيرو
علاء رفض بكل شجاعة الاعتراف بشرعية المحاكمة العسكرية التي يتعرض لها كمدني ، ورفض الاجابة عن اسئلة النيابة العسكرية له ..
لايمكن ان يرضي أبدا أي شخص يتسم بصفات الرجولة في تلك البلد بأن يتعرض شاب مصري لهذه الاتهامات والاهانات في حين يتمتع كبار الفاسدين والمنحلين في نفس البلد المعزولين منهم والذين يزالوا يمارسوا سلطاتهم بكل التقدير والاحترام والتبجيل والتعامل مع بعضهم كأنهم آلهه.
لم تكن ابدا ثورة 25 يناير ثورة ضد فساد شخص ..بل ثورة ضد فساد نظام باكمله تنتشر فروعه كفروع الاشواك تذبح وتقتل وتنتهك كل من تلامسه .. أو كل من يفكر أن يقطع احدي فروعها
الحرية لعلاء .. ليست حرية لشخص ..بل هي حرية لكرامة بلد تزداد اهانته وازدرائه يوما بعد يوم .. ويقدم من التضحيات أرواح ودماء كل يوم
اليوم .. نحن ننادي بحرية علاء
ان لم يحصل عليها .. فغدا ستتلاشي أصواتنا من كثرة الصراخ علي النداء بحرية هذا وذاك

تضامن وأدعم اليوم .. من قد تحتاج الي دعمه وتضامنه غدا

يسري فودة : قبل أن يكون حقا آخر كلام


بادرنى اللواء إسماعيل عتمان باتصال هاتفى بعد ظهر الثلاثاء 11 أكتوبر الماضى، امتد أكثر من ساعة، حمل لى أثناءها تقريباً كل ما جاء، بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة، فى المؤتمر الصحفى الذى شرح فيه المجلس العسكرى وجهة نظره فى أحداث الأحد الدامى.. أحداث ماسبيرو.

كان الرجل، كعادته، بسيطاً ودوداً، وبين يديه ما بدا عتاباً: «إحنا زعلناك فى حاجة يا راجل؟».. لم أفهم تماماً مقصده، وإن كان ذهنى أخذنى لأول وهلة إلى حلقة الليلة السابقة من «آخر كلام» التى، فى سياقها، فرضت الحقائق نفسها إدانة لموقف ماسبيرو من أحداث ماسبيرو.

ورغم أن حديث أى مصدر عن أى شىء مع أى صحفى قابل للنشر، إلا إذا طلب المصدر بصورة واضحة عدم النشر، فإننى - إمعاناً فى التيقن - أطبق القاعدة العكسية فى معظم الوقت: إن كل محادثة غير قابلة للنشر إلا بإذن. ومن ثم سأتعرض هنا فقط لما اختار اللواء عتمان، من حديثه معى أثناء ذلك الاتصال، أن يكرره بنفسه على الملأ فى مناسبات لاحقة.

كان من الواضح أن الحديث وصل بنا بعد جدال طويل إلى طريق مسدود، فهو يحيى تغطية تليفزيون الدولة بلا تحفظ، وأنا أنتقدها بلا تحفظ. هو يرى أن التليفزيون فعل شيئاً لم يفعله قبل ذلك عندما تقرر له أن يبث ما كان يحدث على الهواء مباشرة. وأنا أرى - رغم أن هذا صحيح، على الأقل فى جانب من جوانب الصورة - أن ما صاحب الصورة من تعليقات، شفوية ومكتوبة، كان العنصر الحاسم، وإلا لماذا اقتحمت الشرطة العسكرية برشاشاتها فى مشهد درامى استوديوهات قناتين أخريين لا تخضعان لسيطرة ماسبيرو لمنعهما من بث المشهد نفسه على الهواء؟

هناك مبدأ صغير فى صناعتنا يقول: «إن كنت تخشى من الكاميرا فلابد أن لديك ما تخشاه». وهناك مبدأ كبير فى الدنيا وفى الدين يقول: «كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون». وبين هذا وذاك مبدأ يساعدنا على الاستمرار فى العيش معاً: إن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية. لكن الاختلاف فى هذه الحالة هو فقط أحد تجليات فجوة فى الرؤية كانت قد بدأت فى الاتساع على مدى الشهور القليلة الماضية.

فجوة فى الرؤية
اجتمع عدد من الأسباب على إفساح المجال أمام هذه الفجوة كى تتعمق، من أهمها: أولاً، أن الحياة المدنية تسير أفقياً فى إطار من الأخذ والرد، بينما تسير الحياة العسكرية رأسياً فى إطار من الأمر والطاعة. وثانياً، أن رسالة المجلس العسكرى لم تصل إلى الناس، ليس لنقص فى الخبرة بالشؤون المدنية وحسب، بل لأن الرسالة تفقد نصف مفعولها قبل أن تبدأ إذا لم يستطع مرسلها سلفاً تحديد الجمهور المستهدف بدقة. وأكاد أجزم أن كل مسؤول عسكرى تحدث إلينا حتى الآن كان موزعاً، فى ذهنه وفى لسانه، بين جمهور الشارع وجمهور الثكنات. ولا يمكن انتظار تأثير فاعل لرسالة واحدة تتوجه إلى جمهورين مختلفين إلى هذا الحد. ومن ثم أزعم أن هذه رسالة مفقودة حتماً فى ثنايا الجمع بين مستحيل النقيضين: لين الأخذ والرد مع المدنى الذى يتوقع أحياناً اعتذاراً عن خطأ، من ناحية، وحزم الأمر والطاعة مع العسكرى الذى يتوقع دائماً أن قائده منزه عن الخطأ، من ناحية أخرى.
و ثالثاً، أن تعاقب الأيام والأسابيع والشهور، بينما تمر الأطراف جميعها بعملية تعلم قاسية فى معظم الأحيان، ألقى بنا جميعاً - ومن بيننا المجلس العسكرى - إلى حالة من الإرهاق الجسدى والذهنى والعصبى كانت لها نتائج. من بين هذه النتائج، فى حالة المجلس العسكرى، جنوحه إلى تغيير مسار التعاطى مع الموقف، الذى كان قد سلكه فى البداية، إلى مسار يبدو له أقصر وأكثر سهولة، وربما أيضاً ساهمت طبيعته العسكرية البحتة فى هذا الجنوح.

تجليات مسار جديد
كان من تجليات هذا المسار، أولاً، نشوء جفوة بين المجلس العسكرى من ناحية والنخبة الأقرب إلى ضمير الوطن من الساسة والمثقفين والنشطاء والإعلاميين بعد مرحلة ثرية واعدة من الحوار، المعلن وغير المعلن. وكان لابد أن تنشأ عن هذه الجفوة فجوة، وهى فجوة لا يمكن أن تبقى فارغة، وهى فجوة لا يملؤها عادةً إلا المنافقون وأصحاب المصلحة الخاصة. وهو ما أضاع على المجلس «مستشاراً» صادقاً وإن كان متعباً، وأكسبه «مستشاراً» مريحاً وإن كان لا يمثل إلا نفسه.
وثانياً، ساهم هذا فى تشكيل طريقة جديدة قديمة تؤمن بأنه «إذا لم تكن الكاميرا هناك فإن شيئاً لم يحدث».. طريقة تبدو أقصر وأسهل تؤمن بمعالجة الأمور إعلامياً وحسب، لأن الإعلام فى نظرها يمكن أن ينفى واقعاً موجوداً على الأرض كما يمكن أن يخترع واقعاً لا وجود له، وهكذا تتبخر المشاكل. ومن نوافل القول أنها نظرية أكل عليها الدهر وشرب، والأهم من هذا أنها أثبتت ضررها بجميع أطراف المجتمع، حاكماً ومحكوماً.
الجديد هذه المرة، والمثير للمفارقة فى الوقت نفسه، أن «الكاميرا كانت هناك»، فى أحداث ماسبيرو وفى غيرها، وكان علينا رغم ذلك أن نقتنع بأن شيئاً لم يحدث، وبأنه إن كانت هناك مشكلة فهى فى الواقع ليست تلك التى تراها بأم عينيك الآن وتسمعها بأبى أذنيك.

عبرة «قناة الجزيرة»
هكذا يراد لنا أن نعود إلى الوراء خمسة عشر عاماً على الأقل عندما ظهرت قناة الجزيرة لأول مرة، وقتها اضطررنا إلى المرور بثلاث مراحل قبل أن تبدأ الفكرة فى الوصول إلى أذهان الأنظمة العربية. كانت المرحلة الأولى صدمة مباشرة أسفرت عن تحرك سياسى مكثف اتخذ أشكالاً مختلفة، من بينها إرسال الوزراء والمبعوثين إلى الدوحة «لتعقيل» أميرها الجديد، ثم سحب السفراء منها للضغط عليه، ولما لم تفلح هذه المحاولات انتقلنا إلى المرحلة الثانية، وهى مرحلة تكسير العظام، والضرب تحت الحزام أحياناً، ومن تجلياتها إغلاق مكاتب الجزيرة وتوقيف مراسليها وشن حملات مسمومة فى وسائل الإعلام المحلية والدولية، ولما لم تفلح هذه ولا تلك انتقلنا إلى المرحلة الثالثة، وهى مرحلة «إن لم تستطع أن تغلبهم انضم إليهم». وينبغى أن نضيف إلى هذا العنوان جملة أخرى: «ولكن لا تصدق نفسك كثيراً.»

ورغم ذلك، فقد كان وصول الأنظمة العربية، ولو مضطرة صاغرة غير صادقة، إلى هذه المرحلة الثالثة إيذاناً بانطلاقة أزعم أنها علامة فارقة ليس فى تاريخ الإعلام وحسب، بل فى الحياة اليومية للمواطن العربى من المحيط إلى الخليج. ذلك أن الناس عادةً لا تفتقد ما لا تعرف. الآن هم يعرفون، لخمس عشرة سنة يعرفون، والآن هم إذا فقدوا سيفتقدون، وحين يفتقدون سيفعلون كل ما فى وسعهم للحصول على ما فقدوه بأى وسيلة كانت. إن تجربة الحرية، بمعنى من المعانى، تشبه تجربة الموت. نعم، يمكنك أن تزور الموت، ولكن لا يمكنك الرجوع. وكذلك الحرية.
لا آل سعود بكل ما أوتوا من مال ومن نفوذ، ولا نظام مبارك بكل ما أوتى من حيل ومن بلطجية، ولا الأنظمة العربية كلها مجتمعة استطاعت أن تقف فى وجه هذا الطوفان الذى يمكن تلخيصه فى كلمتين: حتميات العصر. لكن فى مصر الآن من يبدو أنه لم يستوعب هذا الدرس الكبير. فى مصر الآن من يبدو أنه لا يعلم أن فى استطاعة أى هاوٍ إطلاق خمس قنوات فضائية من جهاز كمبيوتر متنقل من غرفة النوم، فى مصر الآن من يبدو أنه لا يفهم أن رسائل «بى بى إم» القصيرة أشعلت خمس مدن فى بريطانيا فى لحظة واحدة قبل أسابيع قليلة. فى مصر الآن من لا يدرك أن فى مصر الآن جيلاً جديداً ملماً بحتميات العصر متذوقاً حلاوة الإرادة والحرية. فى مصر الأن، ببساطة، من لم يدرك بعد أن فى مصر ثورة.
هذا هو المناخ العام الذى بدأ يفرض نفسه من جديد على مدى الشهور القليلة الماضية منذ إصبع اللواء محسن الفنجرى، وقد كان له ما كان من التقدير فى قلوب أسر الشهداء وفى قلوبنا جميعاً، مروراً بما نعرفه جميعاً من إيقاف واستدعاء وإنذار وتخويف وتشويه وتدجين وإغراء ومحاباة، وصولاً فى نهاية المطاف إلى اقتحام وغلق وإرهاب بالرشاشات على الهواء. ويكون الأمر سهلاً أمام حقيقة أن مصر موزعة إعلامياً بين ما يتبع الدولة، وهو فى قبضة الحاكم بصورة مباشرة، وما يتبع القطاع الخاص، وهو أيضاً فى قبضته وإن كان بصورة غير مباشرة مشوقة فى كثير من جوانبها.

هشاشة الإعلام الخاص
تسمح الأنظمة العربية، خاصة فى مصر، لنفسها بهذا الافتراض الذهنى: «أنك إذا استطعت أن تجمع مالاً ونحن فى الحكم فأنت مدين لنا»، شىء أشبه بإتاوة فتوة الحارة، وإن كانت إتاوة فى دفتر مفتوح إلى ما لا نهاية يدفعها فى الواقع غلابة الحارة، ولأن علاقة أصحاب السلطة بأصحاب المال أكثر تعقيداً من هذا بكثير، خاصة فى مصر، فإننى لا أرى أن من واجبى أن أدافع عن هذا ولا عن ذاك وأنا لا أدرى تماماً دهاليز العلاقة. وإنما - مثلى مثل كثير من زملائى - يعنينى فقط ما يمس قدرتى كمواطن وكإعلامى على استثمار فرصة أتيحت أمامنا عندما فرضت «حتميات العصر» على السلطة أن تسمح ببعض النوافذ الإعلامية من خلال مجموعة من رجال الأعمال. ومثلى مثل كثير من زملائى، لا يهمنى فى هذا «الفرح» كله إلا أن أكون قادراً على القيام بواجبى أمام الله وأمام الوطن. 
يفرض هذا الواجب، أول ما يفرض، على النفس اعترافاً مبدئياً: أننا أمام نظام إعلامى هش، تبلغ هشاشته فى بعض الأحيان حداً مضحكاً مبكياً فى آنٍ معاً. وهو أيضاً نظام يجعل مما هو مفترض أن يكون الحد الأدنى من الأمانة المهنية - مثل تغطيتنا لأحداث جمعة الغضب يوم 28 يناير - عملاً أقرب إلى أعمال الانتحار الجماعى على قارعة الطريق. كما يفرض هذا الواجب على النفس اعترافاً آخر: أننا إذا كنا فى الإعلام الخاص متضررين من هشاشة الوضع، فإن زملاءنا فيما يعرف بإعلام الدولة ضحايا.
وبطبيعة الحال، فإن جزراً من ألوان مختلفة توجد فى داخل كل من هذين النمطين بما يصعب معه التعميم. لكننا نتحدث عن نمطين عريضين على أى حال، وما يهمنا هنا هو أن المجلس العسكرى بقى قريباً من الشارع ما بقى قريباً من جزر بعينها فى النمطين، خاصة فى نمط الإعلام الخاص. لكن هذا الإعلام الخاص تحول فى إطار المناخ المشار إليه سلفاً، من وجهة نظر المجلس العسكرى، إلى شىء أقرب إلى العبء منه إلى الذخر، أو حتى منه إلى مجرد المعبر. وترافق ذلك مع وتيرة متصاعدة من الضغوط التى اتخذت أشكالاً مختلفة وأساليب متنوعة، بعضها موروث وبعضها الآخر مبتكر، وإن كانت جميعاً تعمد إلى توفير ما يكفى من الدوافع لدى الإعلامى فى نهاية السلسلة كى يتطوع بممارسة المزيد من الرقابة الذاتية.

تفرق إيه يعنى؟
ماذا إذن حدث تحديداً فأدى إلى إلغاء حلقة «آخر كلام» مع الكاتبين الكبيرين، علاء الأسوانى وإبراهيم عيسى؟.. يسألنى الناس. بعد هذا كله يسألنى الناس؟ ورغم تقديرى الشديد لشغف الناس بالتفاصيل فإننى أشعر أحياناً برغبة كوميدية سوداء فى أن أخبط رأسى فى الحائط وأنا أصيح: «تفرق إيه يعنى؟.. تفرق إيه يعنى لو أن زيداً، مش عمرواً، هو الذى اقترح؟ تفرق إيه يعنى لو أن تليفوناً، مش اجتماعاً، كان السبب؟ تفرق إيه يعنى لو أن شبرا، مش مصر الجديدة، كانت مسرحاً للحديث؟»، الذى يفرق عندى، أولاً، أن يدرك الناس حقيقة أن وقف برنامج كهذا لم يكن قراراً سهلاً، وثانياً، أن المشكلة الرئيسية ليست بالضرورة فى أشخاص وإنما فى نظام كامل.
وكى تستريح القلوب، دعونى أبسط أمامكم هذه الحقائق: أولاً، أنا الذى اتخذ قراراً بوقف الحلقة وتعليق البرنامج إلى أجل غير مسمى. ثانياً، أننى اتخذت هذا القرار لأن ثمة ما دفعنى إليه، وما دفعنى إليه هو إدراكى حقيقة أن ثمة حداً أقصى لممارسة الرقابة الذاتية، وإلا فقد الرجل احترامه لذاته ولجمهوره ولمهنته ولوطنه. وثالثاً، أن الضغوط لم تأت من إدارة قناة «أون تى فى»، وإنما من المجلس العسكرى، بل إن إدارة القناة، ممثلة فى الزميلين ألبرت شفيق ويوسف شكرى، بقيت حتى آخر لحظة تحاول إقناعى بالاستمرار، أمام إصرار منى على تجنيب القناة حرج ضغوط إضافية. رابعاً، أن إصرارى على قرارى لم يكن الهدف منه أبداً إثبات بطولة فارغة أو إلقاء «كرسى فى الكلوب». خامساً، أننى كنت فى حاجة إلى عزل نفسى عن القناة، ولو مؤقتاً، كى لا تتحمل القناة عبء ما قررت أنه صار من واجبى أن أتعرض له كمواطن وكإعلامى.
وأخيراً، لم يكن لقرارى هذا أى علاقة من قريب أو من بعيد بظهور عضوى المجلس العسكرى، اللواء محمد العصار واللواء محمود حجازى، فى برنامج غير برنامجى أو على قناة غير قناتى كما أراد البعض أن يشوه الهدف، عن حسن نية أو عن غير ذلك. فعلى حد علمى أنا الصحفى الوحيد الذى استأذن فى إلغاء مشروع حلقة كان متفقاً عليها مع أعضاء فى المجلس العسكرى، قبل ذلك، عندما أدركت أنها لن تخضع للحد الأدنى مما أراه شروطاً مهنية، مع كامل احترامى لأعضاء المجلس واعتزازى بالزميلين إبراهيم عيسى ومنى الشاذلى. أنا أيضاً الذى التمس من «أون تى فى» أن تذيع حلقة معادة من برنامجى الذى كان سيذاع على الهواء فى نفس توقيت لقاء المجلس العسكرى مع «منى» و«إبراهيم»، بل إننى دعوت أصدقائى على «فيس بوك» و«تويتر» لمتابعة هذا اللقاء، لأنه ببساطة حدث يعلو فوق أى منافسة. 
أما فيما يخص اتصال اللواء إسماعيل عتمان على الهواء، بعد ذلك بيومين، بزميلتى العزيزة ريم ماجد، فإن ما بينه وبيننا، نحن الإعلاميين، من علاقة مهنية تكسوها بساطة الريف المصرى بما فيه من أصالة وعشم، يسمح لى بأن أبعث إليه بهذه الابتسامة التى لم أستطع مقاومتها عندما شعرت كأننى «عيّل تايه» وهو ينادى عبر الأثير: «عُد يا يسرى.. نحن فى حاجة إليك». ولكن، من منطلق أكثر جدية، لم أكن أتمنى أن يلخص المسألة برمتها فى احتمال وجود خلاف بينى والقناة، بينما يستبعد تماماً، ولو من باب الاحتمال، اختلافاً فى وجهات النظر أو فى تقدير المواقف مع المجلس العسكرى. وهذا، فى حد ذاته، مؤشر آخر إلى طبيعة تلك الفجوة التى أشرنا إليها سلفاً فى هذا المقال.

خلاصة القصة
ببساطة، كنت أتمنى - ومازلت أتمنى - أن يفتح اضطرارى إلى خنق برنامجى بيدىّ باباً إلى غرفة هادئة مضيئة لها نافذتان. النافذة الأولى تطل على المجلس العسكرى بمجموعة من الرسائل من أهمها، أولاً، أنه لن يحمى الوطن، خاصة فى أوقات الأزمات، شىء قدر إعلام حر صادق قوى، ولنا فى الفارق بين إعلام 67 وإعلام 73 عظة كبرى، وأن لهذا الإعلام دوراً مهماً، إن لم يكن حاسماً، فى هذه اللحظات وفى مستقبل قريب واعد منذر فى آنٍ معاً. وثانياً، أن مصر الآن لا تتحمل غياب القدرة على استيعاب درس إعلامى ضخم لم يستطع الرئيس المخلوع استيعابه فى زمنه، وأنه سقط فى نهاية المطاف لأنه فضل الطريق الأسهل، ولأنه آمن باللافعل. وثالثاً، أن الوسائل المتاحة فى عالم اليوم، أمام جيل صنع ثورة، لا تعد ولا تحصى، وخير لنا جميعاً أن نحتضن «حتميات العصر» قبل أن تدوس هى علينا بامتهان.
أما النافذة الثانية فتطل علينا - نحن الإعلاميين - بفرصة للتأمل. نحن أصحاب الإعلام، ولا أحد غيرنا صاحبه. لا السلطة ولا حتى صاحب القناة أو الجريدة، نحن أصحابه، هذه حقيقة بسيطة بديهية لكنها تتوه منا كثيراً وسط الزحام. ومن واجبنا، تجاه أنفسنا وتجاه الوطن، وفوق هذا وذاك، تجاه الله، أن نقول الحق ولو كان الثمن أرزاقنا وأعناقنا. أقارن زماننا - وفيه ما فيه من بدائل لا حصر لها تجعلنا محظوظين مدللين - بأزمنة جاهد فيها أسلاف لنا ولم يكن أمامهم من بديل. أقارن ما نحن فيه بما أحاط محمود عوض، على سبيل المثال، من ظلام، فلا جوجل ولا إيميل ولا بلاك بيرى ولا آيباد ولا هاتف ولا فضائيات ولا غيره، وأرى نتاج يديه فى الستينيات والسبعينيات متفوقاً بصورة مدهشة على كثير من نتاج اليوم. أراه وقد أحاط به ما أحاطه من ظلم فى الثمانينيات والتسعينيات، من السلطة ومن منافقيها، فلم يكن ذلك إلا وقوداً إضافياً ملك به زمام أمره بيديه فاحتفظ باحترامه لذاته ولجمهوره ولوطنه فانتصر، وحين مات كان قد عاش. 
هذا إعلامنا ونحن أصحابه، ومما يبعث فى النفس أملاً أن بعضاً منا بدأ يدرك ذلك عملياً فبدأ التفكير فى الأيام القليلة الماضية فى مجموعة من المبادرات، من بينها مبادرة لإطلاق قناة يملكها الشعب، عن طريق الاكتتاب المباشر، يشارك فى حمل لوائها الزميل العزيز بلال فضل مع مجموعة من الزملاء المحترفين الوطنيين. ومبادرة أخرى، أشارك مع الزملاء فى حمل لوائها مثلما أشارك فى مشروع القناة، تهدف إلى خلق جبهة وطنية دائمة لحماية الإعلام الحر، وتكون لها باتفاق أعضائها من الإعلاميين أسنان تضمن هذه الحماية. هذه المبادرات ليست موجهة ضد أحد، بل إن من شأنها شد أزر ما لدينا من إيجابيات ومن بدائل، ومساعدة الجميع على استيعاب حقيقة أن عصراً جديداً لا تصلح معه الأساليب القديمة.

هل أعود بعد هذا إلى «آخر كلام»... نعم أعود.

انتهى


وكان يسري فودة .. قد أصدر بيانا يوم الجمعة الماضية 21 أكتوبر بعدما قام بالغاء حلقته في الليله السابقة مع الكاتب علاء الاسواني والصحفي ابراهيم عيسي .. وكان يتوقع الجميع أن تكون الحلقة تعليقا علي لقاء المجلس العسكري بالمذيعة مني الشاذلي والصحفي ابراهيم عيسي في برنامج العاشرة مساء في اليوم السابق للتعليق علي أحداث مذبحة ماسبيرو ..وكانت نهاية بيان يسري فودة بتعليق برنامج آخر كلام الذي يقدمه علي قناه أون تي في الي أجل غير مسمي

نص بيان يسري فودة :

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان صحفي

ثلاثة أشياء أحاول دائماً أن تبقى نصب عيني: ضميري أمام الله و واجبي تجاه الوطن و حرصي على قيم المهنة. هذه كلها الآن تدفعني إلى إصدار أول بيان في حياتي لمن يهمه الأمر بعد مسيرة صحفية تقترب اليوم من نحو عشرين عاماً تقديراً لمن شرفوني بثقتهم و احتراماً للذات.
تتخذ الشهور التسعة الأخيرة من هذه المسيرة موقع القلب بعد ثورة وسيمة في بلادنا يشعر كثير منا أنه لا يراد لها أن تبقى وسيمة. و ليس سراً أن جانباً كبيراً من عقلية ما قبل الثورة لا يزال مفروضاً علينا بصورته التي كانت، إن لم يكن بصورة أسوأ. و لأنه ليس من أجل هذا يقدم الناس أرواحهم و أعينهم و أطرافهم فداءاً لحرية الوطن و كرامة العيش فلابد لكل شريف من وقفة.
وقفتي كمواطن يخشى على وطنه لا حدود لها، لكن وقفتي اليوم كإعلامي تدعوني إلى رصد تدهور ملحوظ في حرية الإعلام المهني في مقابل تهاون ملحوظ مع الإسفاف "الإعلامي". هذا التدهور و ذلك التهاون نابعان من اعتقاد من بيده الأمر أن الإعلام يمكن أن ينفي واقعاً موجوداً أو أن يخلق واقعاً لا وجود له. تلك هي المشكلة الرئيسية و ذلك هو السياق الأوسع الذي لا أريد أن أكون جزءاً منه.
و رغم إدراكي لحقيقة أن جميع الأطراف في مصر الثورة كانت، و لا تزال، تمر بمرحلة ثرية من التعلم تغمرنا بالتفاؤل، في أحيان، و تصيبنا بالإحباط، في أحيان أخرى، فإن حقيقة أخرى ازداد وضوحها تدريجياً على مدى الشهور القليلة الماضية تجعلنا نشعر بأن ثمة محاولات حثيثة للإبقاء على جوهر النظام الذي خرج الناس لإسقاطه بعدما ملأ الأرض فساداً و فجوراً و عمالة. و قد اتخذت هذه المحاولات طرقاً مختلفة، بعضها موروث و بعضها الآخر مبتكر، و إن كانت جميعاً عمدت في الفترة الأخيرة إلى وضع ضغوط، مباشرة و غير مباشرة، على من لا يزالون يؤمنون بالأهداف النبيلة للثورة و يحاولون احترام الناس و احترام أنفسهم، و ذلك بهدف إجبارهم على التطوع بفرض رقابة ذاتية فيما لا يصح كتمه أو تجميله.
لقد كنت، و سأبقى دائماً، فخوراً بقناة "أون تي في" و بما قدمه شبابها في أصعب الظروف، مثلما كنت، و سأبقى دائماً، فخوراً بكل صوت مصري حرجرئ لا يخشى في الحق لومة لائم أينما كان، و مصر مليئة بالأحرار. و رغم أنني لا أجد في نفسي ما يدعوني إلى البحث عن طريق آخر فإنني أجد في نفسي أسباباً كثيرة تدعوني إلى تعليق برنامج "آخر كلام" إلى أجل غير مسمى. هذه طريقتي في فرض الرقابة الذاتية: أن أقول خيراً أو أن أصمت.
و هذه صرخة من القلب دافعها حب الوطن و مبتغاها وجه الله، و بين الدافع و المبتغى إيمان عميق بأن مصر تستحق أفضل من هذا بكثير.
يسري فوده
القاهرة، 21 أكتوبر 2011

علاء عبد الفتاح : مع الشهداء ذلك أفضل جدا


يومان قضيناهما فى المشرحة، يومان مع جثامين تناضل للاحتفاظ بلقب شهيد، تناضل ضد نظام مبارك كله؛ ليس فقط عسكر مبارك الذين دهسهم، ولا إعلام مبارك الذى سحب منهم لقب شهيد ونعتهم بالقتلة، ولا نيابة مبارك التى تملصت من البحث عن حقهم، بل ناضلت الجثامين لتحتفظ ببهاء يليق بالشهادة فى مشرحة مستشفى حكومى فقير منعدم الإمكانيات. ناضلت ضد خرافات عصر مبارك القائلة إن التشريح تمثيل بحرمة الميت لا انتصارا لحقه، ناضلت ضد سطوة فقهاء وقساوسة السلطان القائلين إن الباحث عن العدالة فى الحياة الدنيا وكأنما تخلى عنها فى الآخرة، ناضلت ضد طائفية مبارك التى تجعل فقير يرى فى فقير مثله عداوة ليلتهى عمن سرق لقمة عيشهما.
يومان برفقة موت رحيم وخجل لا يرحم، لماذا يا ربى أغلب شهدائنا فقراء؟ كيف ميزت المدرعة والبندقية؟ الدم واحد والقبر واحد ومع ذلك خذلنا الشهادة مرة تلو الأخرى.
مصر معجبانية وبتختار أحلانا، ومينا دانيال زين ما اختارت. لولاه ما انتصرنا فى المشرحة.
طوبى للضعفاء
جاءوا للمستشفى بالمئات بحثا عن أجساد جريحة لعلاجها وأجساد مقتولة لدفنها، جاءوا للمستشفى بحثا عن مأوى فى ليلة تجسدت فيها كل مخاوفهم، جاءوا للمستشفى بحثا عمن يشاركهم الغضب، بحثا عن قوة فى العدد. جاءوا كقطيع الكنيسة. وحاصر المستشفى معتدون مدنيون (ربما هم المواطنون الشرفاء الذى يخاطبهم عسكر مبارك ليل نهار) وبتواطؤ من حماة الأمن وحماة الثورة ليؤكدوا لهم ألا انتماء لكم سوى لقطيع الكنيسة.
جئنا نحن نبحث عن رفيق ميداننا، صاحب البسمة الساحرة، مينا الذى يشبهنا ونشبهه. اختارت الشهادة مينا لأنه ينتمى لقطيع الميدان والثورة، هكذا فهمت من أسرته التى أصرت أن تشرك زملائه فى كل قرار ــ لأنهم زملاؤه. ناضل مينا من خلف ستار العالم الآخر لتنفتح قلوب أهالى الشهداء لنا ونصبح رفاق كفاح واحد. فالدم واحد والدمع أيضا واحد، وكما رأينا الحقيقة فى دموع أمهات الشهداء بعد أن افتقدناها فى شاشات التليفزيون رأوا الحقيقة فى دموعنا. فهموا أننا رفاق مينا ونسوا أن يسألونا عن أسامينا بالريبة المعتادة.
أصدر المستشفى تقريره على نهج ماسبيرو: ماتوا بسكتة قلبية، أو كانت مشاجرة؟ تقدم القساوسة بنصيحتهم: لندفنهم سريعا فالجو حار والمشرحة بلا ثلاجات. تدخلنا نحن بغرور الميدان وسذاجته: ماذا عن العدالة؟ ماذا عن القصاص؟ هؤلاء آخر فرصة لإثبات الجرم، نحتاج لتقرير طب شرعى.
أى خبل هذا، أنمثل بأجساد أبنائنا بحثا عن عدالة لم نرها ولا مرة؟ ولا حتى مصادفة؟ أى عدالة  ونحن فقراء؟ أى عدالة ونحن أقباط؟ أى عدالة والقاتل يحكم؟ ألا تفهمون أننا ضعفاء؟
لكن بين صفوفنا مينا، وكانت أخته أول من وافق على التشريح، وبدأوا يقتنعون الواحد تلو الآخر، على مضض وتحت إلحاحنا وتشجيع الحقوقيين، ساعات من البكاء والنقاش والأحضان. نحارب الزمن خلالها بألواح ثلج ومراوح بائسة عسى أن تكون محبتنا كافية للحفاظ على طهارة الجثامين.
بمطلع نهار اليوم الثانى جاءت النيابة لتجد نصف الأهالى يطالب بالتشريح، فأصدر سيادة القاضى فرمانه: إما أن يصدر تصاريح دفن أو تكليف للطب الشرعى، أليس الكل فى الموت سواء؟ وطبعا لم يبخل القساوسة بنصائحهم: رفاقهم سيصلى عليهم سيدنا بعد وقت وجيز، لو تأخرتم يكون قد رجع إلى قلايته، ارحموا أبناءكم فجزاؤهم فى الجنة كبير.
وقفنا صفا واحدا على جبهة صراع مع النظام، لكن هذه المرة الجبهة فى العقل، وخط النار على القلوب. وكما انهزم النظام أمام صفوف الهتاف وصفوف الطوب، انهزم أمام صفوف التضامن. بعد سجال طويل أصدرت النيابة أمر بتشريح كل الجثامين.. بشرط أن نؤمن نحن عمل لجنة الطب الشرعى.
نعم، بدأ الأمر بأننا مسئولون عن تأمين تظاهراتنا، ثم تطور لنصبح مسئولين عن تأمين المنشآت العامة، وها نحن اليوم مسئولون عن تأمين موظفى الدولة إن أردنا أن تتصرف الدولة وكأنها دولة. لم نشغل نفسنا بسؤال «وما دور الشرطة والجيش»، فالإجابة واضحة على أجساد الشهداء.
قلنا للأهالى التشريح سيطول، دعونا ننقل الجثامين لمشرحة زينهم حيث الإمكانيات أفضل. عاد الخوف إلى عيونهم؛ صحيح نقل مينا لهم عدوى الإيمان بمصر، لكن ماكينة الإشاعات لم تتوقف عن العمل وعصابات الشرفاء لم تتوقف عن ترويع الجمع طوال الليل. لم يقولوها صراحة إكراما لنا لكننا فهمنا: لن نترك الحى القبطى، فنحن لا ندرى أى شر ينتظرنا خارجه.
كان علينا إذن أن نؤمن المستشفى، ونضمن للجنة ظروفا مناسبة للعمل. كان علينا أن نخلى المبنى من آلاف خائفة، ونضبط سلوك آلاف غاضبة. وما نحن إلا قلة دخيلة. كان علينا، ويا للمفارقة، أن نقوم بدور يشبه دور الأمن المركزى. جبهة جديدة ولا نملك إلا وحدة صفنا.
بدأت اللجنة عملها تحت حمايتنا، وتحت إشراف محامينا وأطبائنا، جنودنا المجهولين الذين خبروا كل مظاهر الظلم فأصبحوا أعلم بشواهد القتل والتعذيب وقرائن الجرائم والمذابح من خبراء الطب الشرعى. باشرت اللجنة عملها وكلنا قلق أن يدخل أحد الأهالى ويرى المشرط فى جسد ابنه فيهيج، أو أن تنهار صفوفنا أمام هجوم الشرفاء أو غضب المنكوبين.
مملكتى ليست من هذا العالم
تقلق وحدة صفنا كل المستفيدين، وأخطرهم تجار القضية، حلوا علينا بسمهم المعسول: أتثق فى تلك المحامية؟ دى شابة ومش عارفة حاجة.. أنا عندى خبرة طويلة، ومين دول؟ دول كلهم مسلمين، تأمن لهم إزاى؟ لقد حذرتنا من شهور يا مينا عندما قلت لنا: ضرورى ينضم ماسبيرو للتحرير، ضرورى مطالب الأقباط تبقى مطالب الشعب ومطالب الشعب تبقى مطالب الأقباط. والاختبار صعب يا مينا، فالسلطة غشيمة تضرب بعشوائية، أما هؤلاء فيعرفون موضع الجرح بدقة. قضينا باقى اليوم نحارب شائعاتهم الكاذبة واتهاماتهم الباطلة. نعيد كسب ثقة الجمع ونعيد له هدوءه.
قمنا بدور تصورنا فى البداية أنه شبيه بدور الأمن المركزى، لكن شتان، لن أفهم أبدا بعد اليوم كيف يتصور أى جهاز أمنى فى أى مكان فى العالم أن العنف وسيلة فعالة فى ضبط سلوك جماهير غاضبة أو خائفة، من الذى أشار على كل حكومات الأرض أن النزول بسلاح فى مواجهة جماهير سيهدئهم؟ لم نملك سلاحا أمام موجات الغضب إلا الأحضان، رمينا أجسادنا أمام الجموع وبالحضن وبدموع تبكى الشهداء استطعنا أن نبدد ضلالات واقع طائفى عسكرى وننشر حقيقة حلم مصر الحرة.
يا مينا، مصر الميدان هشة ممكن رصاصة واحدة طائشة تطيح بها.. يا مينا، مصر الميدان قوية ممكن حضن واحد ينقذها.. يا مينا، فى حضرتك فهمت تعاليم الأنبياء، متى يفهم العسكر؟
عندما بدأت لجنة الطب الشرعى عملها تذمر الخبراء من نقص الإمكانيات، من سوء الظروف، من فرض رقباء عليهم، ولكن فى النهاية فرض عليها أن تقوم بعملها. عندما قاربت اللجنة على الانتهاء من التشريح وبدأت فى كتابة أسباب الوفاة فجر أحدهم إشاعة أن التقارير كاذبة، ولأن أسباب الوفاة قد تذكر جرحا واحدا فقط هو القاتل حتى لو كان بالجسد عشرات الجروح صدق أهالى الشهداء وهاج الجمع وانهارت صفوفنا.
ونحن على شفا الانتصار واجهنا أصعب محنة، الأهالى آمنت بحلم العدالة، وتركتنا نعبث بأجساد أبنائها، وفاتها كرامة أن يصلى عليهم سيدنا بل وقد يتأخر الدفن لليلة أخرى، ضحوا بكل ما طلبنا منهم أن يضحوا به رغم ترددهم فى البداية، والآن يريدون ضمانا، يريدون أن يحسوا بتلك العدالة، ونحن نقدم لهم كلاما تقنيا وكعابيل قانونية غير مفهومة. لماذا يقول التقرير دهس بمركبة ثقيلة؟ الحق بيّن وكلنا نعلم أنها مدرعة، لماذا لا يقول مدرعة؟ ما هذا المقذوف النارى؟ لماذا لم تكتبوا «رصاص ميرى؟»، ألم تعدونى بعدالة؟ أين اسم الجانى وكلنا نعرفه؟
لم أعِ متى انتصرنا، فقد كنا غارقين فى تفاصيل التفاصيل، لكن فى لحظة نظرت حولى فوجدت  وحدة صفنا صارت تشمل العاملين فى المستشفى والأطباء والقساوسة. ماذا فعلت يا مينا؟ هل أيقظ ضعف ورقة حال أهلك ضميرهم أم أيقظت قوتك خيالهم؟ هل تخطينا كل تلك الحواجز فى ساعات فعلا؟ بل انضم لنا أطباء الطب الشرعى أيضا، كان الحل الوحيد هو أن نجلس مع كل أسرة على حدة، نشرح معنى أسباب الوفاة، والتفاصيل التى ستضاف لتقرير الطب الشرعى، ودور النيابة، ودور المحامين، وانتقلت العدوى للطبيب الشرعى وتحول من مجرد موظف إلى مشرف على العدالة، ربما عندما اضطر أن يترجم لغة تقارير اعتاد ألا يقرأها إلا الأقوياء إلى لغة الضعفاء تذكر أن الحق دائما مع الضعفاء؟ رأيتهم يصفون ملامح الشهداء للأهل ليطمئنوهم أنهم ليسوا مجرد جثث، ليثبتوا أنهم يعرفونهم ويهمهم ذكراهم. رأيت ما استشهدت أنت من أجله يتحقق ولو للحظة.
فى طريقنا للكنيسة كان انتصارنا كاملا، لم يعد أحد يسأل عن اسم من شارك فى حمل الشهداء، ومن قاد الهتاف، هل كان مسلما من اقترح أن نهتف «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم»؟ يا له من سؤال سخيف. الدم واحد والدمع أيضا واحد.
فأدر له الخد الأيسر
قبل المستشفى القبطى كنا فى مستشفى آخر بعيدا عن الأحداث، ننتظر صورة أشعة على قدم أحمد المصاب برصاص حى.
وجدنا أحمد فى شارع طلعت حرب، كان يحاول مع رفاقه إنقاذ الوطن بالعودة لميدان التحرير. لم يكن قد مر على سقوط الشهداء إلا ساعات معدودة، لم يفكر الشباب فى موازين القوة، هل عددهم يكفى أم لا، ما العمل والقوات غير المسلحة (وفقا للمؤتمر الصحفى العالمى) تطلق الرصاص بسخاء. فكروا فقط فى هول ما سيحدث إن تُرك الميدان لمظاهرة المرتزقة التى انطلقت بمباركة الجيش والشرطة تهتف «إسلامية إسلامية». كنا جميعا نعلم أنها مظاهرة مفتعلة، محاولة لصبغ مذبحة عسكرية بصبغة أهلية وإلصاق التهمة بالسلفيين.
بدا لنا أحمد كبطل أسطورى وهو يقاوم زملاءه رافضا الذهاب إلى مستشفى متعللا بأن الجرح خفيف وأكيد الطلق مجرد خرطوش. أقنعناه أن نذهب لمستشفى خاص بعيد عن الأحداث وحملناه على أكتافنا. فى التاكسى حكى لنا أنه اعتقل وذاق تعذيب الجيش الذى لا يخطئ وجرب «نزاهة» قضائه العسكرى، حكى لنا عن إصابته فى موقعة الغدر بالعباسية. لم تمنعه الإصابات من النزول مجددا فى مواجهة الرصاص.
فى المستشفى بعد أن اكتشفنا أنه مصاب برصاص حى لا خرطوش حل علينا ضابط مباحث لاستجوابه، أبهرتنا صلابة أحمد وهو يرد على الضابط بكل برود وتحد، وأبهرنا أكثر اشمئزازه من تعليق ضابط المباحث «مسلم يعنى» عندما سأل عن اسمه. هل كان سيمنعه من العودة إلى بيته لو كان مسيحيا مثلا؟
لم يتبين لنا أن أحمد ضعيف مثلنا إلا من بكائه فى حضننا عندما طهر الطبيب جرحه، ولم ننتبه إلى أنه فتى فى سن الثانوى إلا وهو يرد بخوف على والدته فى المحمول: «ماسبيرو إيه بس يا ماما، لا أنا خارج مع أصحابى».
هل يعرف اللواء حمدى بدين أن بين صفوفنا من يخاف والدته الحنون أكثر مما يخاف الرصاص والمدرعات؟ هل سمع المشير هتافنا «يا مشير يا مشير من التحرير هنزف عريس» ونحن نصحب مينا فى زيارته الأخيرة للميدان؟ هل يفهم أى من العسكر معنى زيارة أم خالد سعيد لأم مينا دانيال؟ أم أنهم نسوا الدم والدمع والحضن والحلم ولم يعد لهم مكان فى صفوفنا حتى بعد أن اتسعت لتشمل من خذلونا من قبل؟

Saturday, October 29

Alt+F4 المعنى الفلسفي ل :))

وعادت الينا اللفافة اللعينة مرة أخري


تحدث الكثير في تدوينات قرأتها عن الشهيد عصام طه والذي استشهد جراء التعذيب بسجن طره .. وشيعت جنازته من عمر مكرم بالامس من التحرير ..
قرأت شهادات كثير من الناس التي تحدثت ووصفت كيف توالت الاحداث منذ انتشار خبر الشهيد مرورا بالدعم والتجمعات المختلفة مرورا باحداث مشرحة زينهم وما تبعها نهاية بالميدان
قرأت شهادة كل من د. احمد صيام الذي حضر التشريح ووصف ما حدث داخل المشرحة – والحديث علي مسئولية الراوي
قرأت شهادة د. عايدة سيف الدولة عن ما دار يوم المشرحة ووصفها لما رأتها بداخلها – والحديث ايضا علي مسئولية الراوي
لن أتحدث عن اي من هذا فاعتقد ان ما كتب يكفي تماما لكل من قرأه مثلي ليعلم ماذا يحدث وكيف تدار الامور بنفس الطريقة السابقة العقيمة
ليست قضيتي أبدا أن أتحدث عن الشهيد وأن أركز علي موضوع اللفافة – تلك الاداة السحرية التي تظهر دائما في مسرح الاحداث لتذكرنا بأحداث أليمة مشابهه منذ فترة ليست ببعيدة حدثت للشهيد خالد سعيد .
ولو أفترضنا – وهذا فرض لم أثبت صحته ولن أسعي الي ذلك – ان الشهيد كان يتعاطي الحشيش .. فليس هناك أي مبرر أبدا ان يكون العقاب بالتعذيب الوحشي الذي يتعدي مرحلة تعذيب – للاسف الحيوانات – فالحيوانات تلقي معاملة أفضل من ذلك
كثير من علامات الاستفهام في وجهة نظري تجعلني اميل الي تلفيق موضوع اللفافة المخدرة التي ذكرت فعلي سبيل المثال :
-        تشابهت الخطوط العامة تقريبا بين شهادة كل من الدكتورة عايدة والدكتور صيام لتعطي انطباع عام ظاهري بأنهما متطابقتين في حين أنهما في جوهرهما وتفاصيلهما مختلفتين في كثير من النقاط التي حدث فيها تعارض واضح في التفاصيل
-        اللفافة اللعينة اختلف الوصف التفصيلي كليا لها بين الشهادتين .. ولم اجد بعد قرائتي للوصف في كلا الشهادتين أكثر من مرة نقط تلاقي
-        ذكر دكتور صيام خروجة ثلاث مرات من الغرفة في كل مرة كانت لا تزيد عن 5 دقائق وهو امر يرجع لتقديره هو قد يزيد او يقل ولكنه يجعلني أري ان تلك الدقائق ثلاث مرات كافية لعمل الكثير من الاشياء في غيابة دون علمه
-        ناقض الدكتور صيام نفسه حين ذكر في أول شهادته ان الفك مربوط للرأس دليل علي تعامل عنيف وما خلافه .. ثم عاد ليذكر لاحقا عدم وجود اثار تعذيب ، رغم ان الصور التي شاهدناها جميعا واضح جدا وحتي لمن لا يفهم في الطب ان هناك تعذيب قد حدث بصورة أو بأخري ، وقد اكد علي ذلك مرة أخري في نهاية شهادته !!
-        لم تساوردكتور صيام اي شكوك ابدا عندما ذكر وجود قطع في الظهر واخبرته الدكتوره انهم كانوا بدأوا بالفعل في التشريح قبل مجيئه
-        الدكتور صيام أعطي نقطة منفصلة مخصوص في شهادته ليهاجم د.عايدة واصفا اياها بأنها متعمدة لاصطناع المشاكل ، رغم أن الدكتورة عايدة حينما ذكرته في شهادتها قالت انها حدثته علي الهتاف لتؤكد عليه ان يكون التشريح شاملا فسمعت صوت أمرأه تصرخ به ليغلق الخط !!
(أي انها لم تهاجمه مثلما هاجمها هو دون ان يعرفها بدليل قوله – من قدمت نفسها علي انها د.عايدة !!)
أي انه يجهل من هي أساسا

في النهاية انا لا أشكك في أحد وأفترض حسن النية ولكن من حقنا جميعا أن نعرف أسباب الاختلاف في الشهادتين .. وحيث أني أميل الي شهادة د. عايدة لأن شهادة د.صيام قبل أن تتناقض في بعض نقاطها مع شهادة د.عايدة .. فهي من الاساس تناقضت داخليا في نقاطها مع بعضها البعض ..
وأرجو أن يكون هناك تشريح فعلي جاد وأن يشارك فيه اطباء شرعيين ثوريين لينقلوا لنا الصورة كاملة
كما أرجو الا يجعلنا ذلك التحقيق أن ننشغل في موضوع اللفافة اللعينة وننسي الهدف الاساسي للوفاة وهو التعذيب الغير مقبول مهما كانت الاسباب أو المبررات
وأنا متأكد ان المجلس وزبانيته سيشنون في الايام القادمة حملة شرسة لتشوية صورة الشهيد وكل من يحاول أن يقف في طريق اظهار الحق

Friday, October 28

اسعاد يونس : احذروا الاقتحام الثانى للسجون


■ فى الجو غيم.. وصمت مؤقت محفوف بالخطر والتربص.. دورات الكر والفر لم تنته.. ومن يملك حاسة درامية ولو قليلا.. يستطيع أن يغمض عينيه ويطلق لخياله التحليلى العنان.. ويبصر أن دورة تالية آتية فى الطريق.. ولأن الأحداث تتغير على مدار الساعة.. فقد يدخل حدث جديد فى الطريق ليزيد من جرعة الغموض أو التحفز.. قد يكون حرب الانتخابات وقد يكون وفاة المخلوع أو أى قنبلة أخرى.. فإذا فتح عينيه ونزل بخياله إلى أرض الواقع.. رأى أنه يجب أن يعمل بالمثل الواقعى القائل: الباب اللى يجيلك منه الريح، سده واستريح.. فإذا كنا نرى أمامنا أبوابا عدة.. فسوف يكون من العقل أن نتوجه إلى أوسعها وأخطرها ونغلقه بالضبة والمفتاح..
■ إن عبارات مثل الأيدى الخفية والقلة المندسة ستظل تتردد طالما هناك تراخٍ فى قطعها.. وطالما الأحداث تتجدد والفاعل مطلقة يده.. لا يجد أمامه سوى ناس معاقة تتبادل بحيرة وحسرة سؤالاً واحداً: «من هم؟؟».. إذن علينا أن نكون جادين فى سد أول باب.. باب سجن مزرعة طرة.. حيث يُجمع كل من هو عاقل ويتمتع بقدر يسير من الفهم على أنه الباب الذى تأتينا منه العواصف والزعابيب.. ومن ورائه تحاك كل المؤامرات والخطط..
■ إذا ما أرجعنا ما رأيناه من أحداث إلى من هم خلف الأسوار.. فسوف نتأكد أن هناك اجتماعات تتم بين أفراد الحكومة والعصابة المكتملة وتصدر عنها قرارات.. من الطبيعى أن تعمل الشلة على تنفيذ هذه القرارات.. وبالتالى يجب أن تكون هناك وسائل اتصال بالخارج.. وإلا فمن الذى سينفذ ومن الذى سنتهمه بأنه الأيدى الخفية التى تحرك القلة المندسة؟؟
■ حتما هناك وسائل اتصال.. أكيد هناك موبايلات.. وقد يشطح خيالنا فيرى تليفونات الثريا الهوائية.. الدلائل تشى بهذا.. نحن لا نطالب بأن تخرج إدارة السجون عن حدود الرحمة والإنسانية.. ولا أن تعامل السجناء بما لا يقره قانون السجون.. ولكن مما كنا نراه فى المحاكمات نستطيع أن نتأكد أن من يؤدون التحية العسكرية لوزير الداخلية الأسبق السجين أثناء دخوله وخروجه من مبنى المحكمة.. هم أنفسهم الذين ييسرون لهم الحياة.. هم الذين يصاحبونهم فى التريض فى فناء السجن.. هم من يغمضون أعينهم عن المهربات وعلى رأسها وسائل الاتصال.. ولو بفعل الهيبة وحسن النية.. أهو عشان ما نبقاش بنظلم حد..
■ وبقليل من التخيل الدرامى أيضا.. أتوقع أن يخرج المخطط القادم عن الشكل الذى عهدناه.. باخ نمط الاندساس وسط الجموع وتقليب البعض على البعض الآخر.. نقول عليه «أصبح إفيه محروق».. الذى يحرك الجموع المخرّبة تجاه الناس فى الشارع قد يعكس الآية.. قد يحركها تجاهه هو.. حدث من قبل.. أول ما حرّكوا حرّكوا فى اتجاه السجون.. وفرغوها من سجنائها.. وبما أن الكتالوج قديم وهم مازالوا يطبقونه.. فوارد جدا أن يعيدوا الكرّة.. هذه المرة على طرة ومعها كام سجن كمان عشان العملة تتوه فى النص.. وأكاد أجزم بأن من يفكر بهذه الطريقة سوف يلجأ إلى هذا الحل.. هجوم على السجون.. تهريب المساجين.. اختفاء للشلة..
■ شطحت بخيالى؟؟.. وارد جدا.. لكن علينا أن نأخذ بالأسباب.. للمرة المليون.. فرقوا الشلة عن بعضها.. غير منطقى أن تقبض على عصابة بكاملها.. وليست عصابة من مطاريد الجبل.. لكنها عصابة كانت تملك وتحكم وتأمر فتطاع.. وتضعها فى مكان واحد.. ثم لا تتوقع أن تخطط للهرب.. خصوصا أن لديها فى خارج الأسوار أموالاً وسلاحاً وقوات بشرية نفذت هذا المخطط من قبل.. وبنجاح ساحق.. لهذا، احذروا الموبايلات.. احذروا تليفونات الثريا.. احذروا الاقتحام الثانى للسجون..
■ خاطر أرقنى بشدة.. وقد يكون رسالة رأيتها فيما يرى النائم.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
■ سبحان الله.. لسه كنا بنتكلم عن الطقس الشعبى فى الضرب.. فتهاجمنا تسجيلات وأفلام نحر القذافى علنا.. بالذمة ده منظر؟؟.. ودى أخلاق.. فروسية إيه وشهامة إيه وتقاليد إيه ورجولة إيه التى طالما بغبغنا بالكلام عنها؟؟.. فنجرية بق إحنا.. واك واك واك بس.. ده راجل حاكم ظالم.. بقاله اتنين وأربعين سنة بيقهر فى شعبه نقوم لما نعثر عليه.. ندبحه زى أى عجل؟؟.. ساويتوا بين معاناة ما يقرب من نصف قرن بعثوركم على ثور شارد فدبحتوه وإنتوا بتسموا.. كده بقى الدبح حلال يعنى؟؟.. ضيعتوا على نفسكوا محاكمة عادلة تعرفوا منها أسرار حكم الوطن اتنين وأربعين سنة.. وتعرفوا حقوقكم فين وثروتكم كيف تم توزيعها وكيف يمكنكم استعادتها.. وتكسبوا احترام العالم وتشعروا بإنسانيتكم.. وتكللوا الثورة بنصر حضارى يشعر الناس أنكم مقدمون على فترة عدل ومساواة وتقدم..
■ إزاى فيه فرق بين الناس كده؟؟.. إزاى ممكن صلاح الدين الأيوبى يوقف حرب شرسة عشان عدوه مرض.. ويذهب بنفسه ليداويه.. ثم يستكمل القتال بعد تأكده من شفاء خصمه.. إزاى ممكن ناس تجزع ويقشعر بدنها من رؤية الدم.. وناس تهوهو زى الذئاب وريالتها تنزل لما تشوفه؟؟.. إزاى ممكن تزول كل الموانع والتقاليد وحرمة الموت والمشاعر أمام مظاهرة همجية مثل هذه؟؟.. فتسارع قنوات التليفزيون بإذاعة الأفلام بلا أى دم ولا إنسانية.. شبق الخبر طغى على كل معالم الحرفية حتى.. وجعل من القنوات حيوانات جائعة للحصرى والمنافسة وخلاص..
■ أرجع وأقول برضه إحنا متحضرين.. رغم كل مظاهر الغوغائية والهمجية التى بدأت تنتشر بين ناسنا ويعمل على دسها فينا ثلة من الهمج.. ورغم نداءات الثأر والهع هع وجع جع وأصوات القرقعة دى..
■ الظاهر إن البنى آدم بطبيعته غوغائى همجى جعجاعى.. علشان كده من ينادون بالتحضر بيطلع عين أهاليهم، وكلامهم بيواجه بمقاومة شرسة..
■ أنيس منصور مات.. طول عمرنا عندما نفقد قامة عظيمة زى كده نصرّخ.. يا نهار اسود مش حايتعوض.. وفعلا الناس دى ما بتتعوضش.. لكن كان.. وكان فعل ماضى ما نسيبه ف حاله.... كان يظل فى داخلنا يقين إن مصر ولاّدة.. مش حاتعوض القامة دى لكن حاتولد عظماء آخرين.. لكن مع ما نرى حاليا من هوجة ركوب ترماى التخلف.. شكلنا كده حنصاب بعقم حضارى منيل بنيلة.. ومش حانعوّض.. والمخزون حايقل.. وشوية شوية حانبقى عالحديدة.. اللى ما شفنا يا حسرة قلوبنا فى حديث حد من اللى صوحونا بنواياهم العظيمة للبلد لما يوصلوا للكراسى.. سيرة أو أثر لخطة ثقافية أو أى نية لاستخدام القوى الناعمة.. اخترعوا العجلة يا خويا منك له.. جتنا نيلة ف حظنا الهباب..
■ جنة الإخوان ولا نار الوطنى.. جنة الإخوان ولا نار السلفيين.. جنة السلفيين ولا نار العسكر.. جنة كل دول ولا نار الوطنى تانى.. هو بابور الجاز اللى بنتشوح عليه ده مش حاينطفى بقى؟؟؟.. إيه الشعب اللى ماشى مؤخرته شايطة على طول ده؟؟


المصدر : جريدة المصري اليوم 

News