Tuesday, May 31

بلال فضل : أزهى عصور الحرمان

إلى الذين لا تفرق معهم دماء الشهداء ولا تضحيات الجرحى كثيراً بقدر ما تفرق معهم مصالحهم الشخصية المشروعة، إلى الذين مازالوا يسألون لماذا قامت الثورة، ومازالوا يعتقدون أن حسنى مبارك خدم مصر وحقق لها الأمن والاستقرار، أهديهم هذه الأرقام المعترف بها من آخر حكومة للرئيس المخلوع مبارك، والتى اخترتها من نشرة مرصد عدالة التنمية الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الصادرة فى ديسمبر 2010، لعلهم يراجعون ضمائرهم قليلا، ويدركون أن هذه الثورة يمكن أن تكون طوق النجاة لمصر، لو تكاتفنا جميعاً حولها وقررنا تطهير جميع جيوب الفساد وبناء مصر على مية بيضا لأول مرة فى تاريخها.

شوف ياسيدى، عند رصد مؤشرات التنمية فى مصر فى 2008/2009 تم اكتشاف الآتى: هناك من بين كل 100 أسرة: 58 أسرة لا يكفى دخلها احتياجاتها - 36 أسرة يرأسها رب أسرة أمى - 21 أسرة يرأسها رب أسرة حاصل على تعليم ثانوى - 12 أسرة فقط يرأسها رب أسرة حاصل على تعليم جامعى - 53 أسرة غير متصلة بشبكة عامة للصرف الصحى (فى أزهى عصور البنية التحتية) - 46 أسرة لا تمتلك تليفوناً أرضياً فى حين تمتلك 63% من الأسر تليفوناً محمولاً على الأقل - 5 أسر فقط تمتلك سيارة خاصة - 18 أسرة تمتلك كمبيوتر - 4 أسر تمتلك مدخرات بنكية أو دفتر توفير أو شهادات استثمار - 10 أسر شهدت تغيرا بالزيادة فى حالتها المادية مقارنة بالعام الماضى - 50 أسرة شهدت تغيرا بالنقصان فى حالتها المادية مقارنة بالعام الماضى - هناك فردان فقيران من بين كل خمسة أفراد طبقا لخط الفقر الدولى (2.5 دولار فى اليوم) بنسبة 41% من السكان - يسكن فى الريف 59% من إجمالى السكان فى مصر بينما يعيش فيه 79% من الفقراء.

لاحظ أن أحدث رقم تم إعلانه لنسبة السكان تحت خط الفقر طبقا لتقرير أعلنته القوات المسلحة فى ندوة اقتصادية قبل شهر ونصف يقدر أن الفقراء يمثلون سبعين فى المائة من السكان وهو الرقم الذى أفزع الكثيرين، وأثار تساؤلات حول سر إخفاء هذا الرقم ومدى دقة الأرقام السابقة عليه.

- من بين كل مائة فرد أعمارهم عشر سنوات فأكثر هناك 28 فرداً أمياً - 20 فرداً فقط حاصلون على التعليم الأساسى 25 فرداً حاصلاً على التعليم الثانوى، ومن بين كل مائة فرد بشكل عام هناك 12 فرداً يعانون مرضاً مزمناً أو أكثر - من بين كل مائة طفل أقل من 18 سنة هناك 4 يعيشون فى مساكن لا يتوفر لهم فيها مرحاض أو يتوفر مرحاض غير متصل بشبكة صرف صحى أو بيارة أو خزان، و3 لم يذهبوا مطلقا إلى المدرسة، و13 يعيشون فى مساكن ذات أرضية ترابية، و3 يعيشون فى مساكن لا تتوفر لهم فيها سبل للحصول على المياه إلا من مصدر غير محسَّن أو يستغرقون ثلاثين دقيقة أو أكثر لجلب المياه والعودة.

وفى حين حصل فى عام 2009 أغنى 20 فى المائة من الأفراد على 41 فى المائة من إجمالى الاستهلاك، لم يحصل أفقر 20 فى المائة إلا على 9 فى المائة فقط من إجمالى الاستهلاك. وكان نصيب أغنى 20 فى المائة من الأفراد من إجمالى الاستهلاك يفوق نصيب أدنى 60 فى المائة من الأفراد. وفى ظل أزهى عصور الأمومة والطفولة تكشف الأرقام أن هناك 21.2 فى المائة من الأطفال، أى حوالى 6 ملايين طفل، محرومين فى أحد هذه المجالات: التغذية - مياه شرب نقية - الصرف الصحى - الصحة - المأوى - التعليم والمعرفة. بينما هناك رقم إيجابى هو أن 91.7 فى المائة من الأطفال ما بين 12 - 23 شهرا حصلوا على التطعيمات الكاملة، بينما تصل نسبة الأطفال الأقل من 5 سنوات الذين يعانون من التقزم إلى 14%. وفى نفس العمر يتعرض 17.3 فى المائة من الأطفال للحرمان من الغذاء أو الصحة، ويعانى نصف الأطفال فى ريف الوجه القبلى من أحد أبعاد الحرمان المختلفة.

- أما عند دراسة نسبة الأسر الهشَّة أى المعرضة للوقوع فى دائرة الفقر فقد تم اكتشاف أن نصف الأسر فى الحضر وثلثى الأسر فى الريف لا يكفى دخلها للوفاء باحتياجاتها، وأنه من بين كل عشرة عاملين يعمل ثلاثة أفراد أعمالا غير دائمة. وفى حين تصل نسبة البطالة بين الأميين إلى 0.5 % فقط، فهى تصل إلى 11% بين الجامعيين فى عام 2009 فقط. 17% فقط من جميع الأفراد فى مصر مشتركون فى التأمينات الاجتماعية - أقل من نصف الأفراد فى مصر (47%) مشتركون فى التأمين الصحى بدون اختلافات فى الحضر والريف.

وطبقا لمؤشرات أكسفورد التى تقوم بقياس معدلات المعاناة من أنواع الحرمان المختلفة وهى كالآتى (الحرمان من شبكة مياه نقية - الحرمان من شبكة صرف صحى عامة أو خاصة - الحرمان من حوائط صحية - الحرمان من عمل دائم - الحرمان من التعليم الأساسى - التكدس أو وجود 3 أفراد أو أكثر فى الغرفة الواحدة وأخيرا الحرمان من التأمين الاجتماعى) فإن هناك حوالى 84 فى المائة من المصريين الذين يزيد عمرهم على الخمسة عشر عاما يعانون من شكل واحد على الأقل من أشكال الحرمان، وهناك نسبة 56 فى المائة من المصريين فى نفس العمر يعانون من الفقر المطلق الذى يعنى أن الفرد يعانى شكلين على الأقل من أشكال الحرمان، فى حين يوجد 16 فى المائة فقط منهم لا يعانون أى شكل من أشكال الحرمان المحددة سلفا، مما يعنى أن سنوات مبارك كانت أزهى عصور الحرمان.

أرجوك الآن أغمض عينيك وتخيل ما الذى كان سيحدث لو استمرت الأحوال فى مصر على ما كانت عليه من فساد وظلم اجتماعى وتصاعد فى نسب الفقر بشكل مخيف؟ ألا يعد كل ما نشهده الآن من انفلات أمنى بسب تراخى جهاز الشرطة فى أداء دوره أرحم بكثير من ثورة جياع مدمرة تكتسح الأخضر واليابس كانت ستحدث لا محالة فى ظل أرقام مفزعة كالتى قرأناها؟

ألا يجعلنا كل هذا نفهم لماذا اندلعت فى كل شبر مصرى صرخات الأنين التى يسمونها المظاهرات الفئوية والتى لن يجدى معها سوى تصحيح سريع لاختلال هيكل الأجور فى مصر وضبط للإنفاق الحكومى وتفعيل للأجهزة الرقابية وضمان استقلاليتها، طيب عندما تضع بجوار كل هذه الأرقام تلك الأرقام التى أعلنها البنك المركزى قبل أيام وقال فيها إن القطاع المصرفى شهد زيادة ملحوظة فى حجم المدخرات عقب قيام ثورة يناير، حيث زادت الإيداعات فى النقد المحلى بزيادة 4.7 مليار جنيه لتصبح فى يوم 19 مايو الجارى 946.9 مليار جنيه، بينما زادت الإيداعات بالنقد الأجنبى أكثر من 22.6 مليار جنيه لتصبح فى يوم 19 مايو قيمتها 238.6 مليار جنيه، وفى حين توقع البنك المركزى سحب كميات كبيرة من النقد الكاش عقب فتح البنوك فقد شهدت البنوك تفوقاً فى الإيداعات على السحوبات، حيث سجل صافى الإيداعات فى يوم 6 فبراير - أول يوم عمل للبنوك - إيداع 300 مليار و262 مليون جنيه بزيادة 10 مليارات و448 مليون جنيه على المبالغ التى تم سحبها من قبل المتعاملين مع البنوك،

وعندما تعرف بعد كل هذا أن قروض العملاء التى تمنحها البنوك زادت أكثر من 4.4 مليار جنيه رغم حالة الكساد التى تسيطر على السوق لتصل إلى 460 ملياراً و689 مليون جنيه نهاية يوم 19 مايو الماضى، فى حين أن حجمها يوم 27 يناير كان 456 ملياراً و285 مليون جنيه، فإنك إذا كنت تفهم فى الاقتصاد طشاش مثل حالاتى فستدرك أن حوالى نصف الأموال الموجودة لدى البنوك مستقرة دون حراك فى السوق، وأن مصر لا ينتظرها الإفلاس بل ينتظرها مستقبل مشرق لو تم إعلان سياسات تنمية حقيقية وفاعلة فى مجالات صناعية وزراعية تخلق فرص عمل حقيقية بعيدا عن شغل السمسرة والفهلوة الذى لا يخدم إلا فئات معينة ولا يخلق اقتصادا قوى الدعائم، لأن كل هذه الأموال المكدسة فى البنوك سيتم تحريكها وسيكون لدى مصر بعد الثورة وبفضلها فرصة حقيقية لكى تبنى اقتصاداً قوياً على دعائم محترمة عادلة، فقط لو توفرت إرادة سياسية حاسمة تمارس الشفافية فى الحكم ولا توقع الناس فى متاهات الغموض وتجعلهم قلقين من المستقبل، بل مطمئنين إليه فى إطار توافقى لا يخيف أحداً لكى يطمئن آخرين، ولا يتبع سياسات متراخية فى مواجهة الانفلات الأمنى والفتنة الطائفية، والأهم فى أن يرى الناس خططاً واضحة فى مجال العدالة الاجتماعية تقنع كل المصريين، ليس بأن يضحوا من أجل وطنهم، بل أن يكسبوا وطناً تسوده العدالة الاجتماعية التى تجعل الفقير أقل فقراً وأكثر رضاً عن المعيشة، وتجعل الغنىّ أقل غنى ولكن أكثر أماناً وأكثر رضاً عن النفس.

مع خالص الاعتذار لكل خبراء الاقتصاد إذا كنت قد أخطأت فى قراءة أى رقم أو تعسفت فى تحليله فلن يكون ذلك على أى حال مشابهاً لصفاقة جمال مبارك وأحمد عز فى التلاعب بالأرقام من أجل عيون مشروع التوريث، ولعل حسن النية يغفر لى سوء التحليل، أو هكذا أتمنى.


المصدر : جريدة المصري اليوم

Monday, May 30

بلال فضل : والرسول قدوتنا

نظر صديقى مذهولاً إلى التعليقات الحافلة بالشتائم التى كتبها زوار لعدد من المواقع الإلكترونية تعليقاً على فيديو لمداخلتى التليفونية فى برنامج (آخر كلام)، التى رددت فيها على مغالطات القيادى الإخوانى صبحى صالح وعدم إعلانه على الملأ لجملة (أنا آسف) التى قالها فى مكالمة تليفونية مع المدون البراء أشرف الذى عاتبه على تصريحاته الرافضة لزواج الإخوانى «الفلوطة» من فتاة غير إخوانية مستخدماً فى رفضه لذلك قول الله تعالى (أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير)، وهى التصريحات التى كتب عنها البراء تدوينته الجميلة التى نشرتها هنا يوم الأربعاء الماضى.

قال لى صديقى: تعلم أننى أعتقد أنك قسوت فى كلامك على صبحى صالح عندما وصفته بأنه «رغاى»، لكن مع ذلك لا أصدق أن هؤلاء الذين يهاجمونك بهذه الصورة إخوان، أعلم أن لدينا جميعاً مشكلة عويصة فى الحوار، لكن يستحيل أن تكون هذه هى أخلاق الإخوان الذين يرفعون شعار «الله غايتنا والرسول قدوتنا» فى الاختلاف مع أناس مثلك سبق لهم أن دافعوا عن الإخوان فى وجه ما تعرضوا له من قمع أو إرهاب.

قلت لصديقى: بغض النظر عن اعتبارك أن كلمة «رغاى» شتيمة، مع أننى أصف نفسى دائماً بها أمام الناس، دعنى أذكرك بأن صبحى صالح نفسه قال ليسرى فودة على سبيل الفخر إنه يتحدث منذ خمسة وثلاثين سنة وإنه تكلم فى آلاف الندوات، وإذا لم يكن هذا رغياً فما هو الرغى إذن؟

على أى حال أعذرك عندما تظن دائماً بالإخوان كل الإخوان خيراً، فتعتبر أن التصريحات العنيفة التى يطلقونها بحق الآخرين بل بحق بعضهم البعض هى دون شك من فبركات الصحافة، فأنت تحسب الإخوان دائماً على ما يرفعونه من شعارات دينية، وتنسى أنهم بشر، ولذلك كلما قال أحد منهم تصريحاً مسيئاً فى حق أحد أبناء جماعته المختلفين معه استغرب الناس، كما استغربوا على سبيل المثال لا الحصر التصريح الذى ورد على لسان السيد محمود غزلان فى حق رفيق جماعته الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عندما اتهمه بأنه نقض العهد مع الله، لأنه قرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية مخالفة لأوامر الجماعة، مع أن أياً من هؤلاء لو قرأ تاريخ جماعة الإخوان لعرف أن الحدة فى الخلاف إلى حد الشطط أمر معتاد بينهم خصوصاً فى الأوقات التى يتمكنون فيها أو يستقوون، بعكس الأوقات التى يتعرضون للاضطهاد فيها، فهم كأى جماعة بشرية سياسية توحدها المحن، وتشتعل الخلافات بينها عند الاقتراب من السلطة.

دعنى أعطك مثالاً قبل أن تتهمنى بالتجنى على هذه الجماعة التى ترفع شعار (الرسول قدوتنا)، ما رأيك مثلاً فى المرشد الثانى للجماعة المستشار حسن الهضيبى؟ لعلك أعجبت بمنهجه المقاوم للتكفير فى كتابه الشهير (دعاة لا قضاة) بغض النظر عما يثيره البعض حول تفاصيل وملابسات تأليف ذلك الكتاب، ولعلك تعلم أن المستشار الهضيبى شخصية محورية فى تاريخ الإخوان لا يختلف الآن حولها كثير منهم، طيب ما رأيك فى أن تقرأ مثلا عن تاريخ الخلافات التى ثارت بينه وبين عدد من قادة الإخوان عقب قيام ثورة يوليو مباشرة؟

ما رأيك مثلا فى الشيخ محمد الغزالى، هذا العالم الجليل الذى يسكن عقل ووجدان كل من قرأ كتبه حتى لو كان غير منتم إلى الإخوان؟ هل تعلم أنه كان عضوا بارزا فى الإخوان، وأن الهضيبى قام بفصله خلال فترة خلافه الشرس مع الجهاز السرى الذى تزعمه عبدالرحمن السندى؟ وهل تعلم أن الشيخ الغزالى رد على قرار الهضيبى بكتابة مقالات اتهم فيها الهضيبى صراحة بالماسونية، وقال إن حركة الماسونية العالمية نجحت فى زرع الهضيبى وتنصيبه مرشدا عاما للإخوان دون أن يقدم دليلا على ذلك، وحاشا للهضيبى أن يكون ماسونيا لكنها النفس البشرية التى جعلت من هم أعظم بكثير من الغزالى والهضيبى كصحابة النبى صلى الله عليه وسلم يقتتلون فيما بينهم لمجرد أن كلا منهم رأى أنه يمتلك الحقيقة المطلقة.

للاستزادة راجع من فضلك مذكرات القطب الإخوانى المستشار الدمرداش العقالى التى كتبها الأستاذ سليمان الحكيم فى كتاب (أسرار العلاقة الخاصة بين عبدالناصر والإخوان المسلمين)، وفيها أيضاً ستقرأ كيف قام عبدالناصر بإذكاء نيران الخلاف بين الهضيبى والسندى، وحاول السندى الإطاحة بالهضيبى بتحريض من عبدالناصر ردا على اعتراض الهضيبى على قانون الإصلاح الزراعى، حيث قام بإرسال مجموعة من الجهاز الخاص إلى منزل الهضيبى لتجبره على توقيع استقالة من منصب المرشد، وقام الهضيبى بخداع المجموعة ولجأ إلى البوليس الذى طردها من بيته لتعود إلى المركز العام

وتبلغ السندى بفشل مهمتها، ثم يفاجأ الجميع بجموع من الإخوان تسد الشوارع المؤدية إلى المركز العام، وبنص كلام الدمرداش «وتعالت هتافاتهم تطالب بإهدار دمنا، لقد وجدنا أنفسنا محاصرين بتلك الجموع الكبيرة التى تطالب بقتلنا...

كان السندى قد أعد العدة لمثل هذا الموقف المحتمل، فأمر مجموعة من أنصاره بحمل المدافع الرشاشة واحتلال سطح المبنى المقابل لمبنى المركز العام وكان مخصصا لجريدة الإخوان، حتى إذا نجح الهضيبى فى تأنيب أنصاره وتحريكهم ضدنا، تعامل معهم أنصارنا من حملة المدافع، لاحظ أن كلمة مدفع بلغة تلك الفترة كانت تطلق على السلاح الآلى وحتى لا تقع مذبحة لا نريدها، أمسك السندى بميكروفون وأخذ يطالب الجموع بالتفرق وإلا فسوف تحصدهم المدافع من فوق أسطح المنازل»، ثم يروى العقالى أن الذى أنقذ الموقف هو تدخل كل من جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وعبدالعزيز كامل الذين اخترقوا الحصار المضروب حول المركز وقاموا بحل الأزمة التى خرج الهضيبى منها قويا ليقوم بفصل قادة وأنصار التنظيم السرى.

بالطبع قد تسمع كلاما من بعض قادة الإخوان أو قواعدهم يطعن فى شهادة المستشار الدمرداش العقالى، تماما كما حدث مع كل القيادات الإخوانية التى رفضت «أسطرة» الجماعة أو تقديم صورة قدسية لها تخالف الصورة البشرية المعتادة لأى تنظيم بشرى يختلف فيه الناس إلى درجة الشطط والجموح، وتغرهم أهواء الدنيا ونزعاتها، خصوصا عندما يتصرفون فى عملهم العام من منطلق الإحساس بقوة الفكرة الدينية التى يعتنقونها ويضحون من أجلها، وبناء عليه قد يقعون فى تصورات خاطئة تجعلهم يتماهون فى قدسية المعتقد الذى ينتسبون إليه، وربما لذلك لا تجدهم يمارسون النقد الذاتى إلا نادراً حرصاً منهم على عدم إلحاق الضرر بالمبادئ التى يرفعون شعاراتها، وإن مارسوا ذلك النقد فهم لا يعترفون بأخطائهم أمام الناس بل يحرصون دائما على التبرير، وتصوير أنهم مضطهدون تعرضوا للتحريف والتشويه،

وتجد بعض قواعدهم تنطلق فى كل اتجاه لتفسر كل انتقاد لهم بأنه حملة على الإسلام ومبادئه يقودها أناس يكرهون الإسلام ويتمنون زواله، أرجوك اقرأ التعليقات التى يتم نشرها فى أى مكان على الإنترنت على أى مادة تحمل هجوماً على الإخوان أو انتقاداً لهم، حتى لو كان الأمر يخص واقعة مثل التصريحات العجيبة التى أدلى بها المحامى صبحى صالح والتى لم يكن يضيره أن يعتذر عنها على الملأ، بدلا من أن يلجأ للقول إنه كان يهذر فيوقع نفسه فى مطب أكبر هو استخدامه آية قرآنية فى معرض الهذار، وهو خطأ لو وقع فيه معارض للإخوان وهو ينتقدهم لما سلم من ألسنتهم أبداً.

هل تظن أننى أريد وصف الإخوان بأنهم جماعة من الشتامين الطعانين فى كل من يختلف معهم من داخلهم أو من خارجهم؟ أعوذ بالله، فمن أنا لأصدر حكما عاما على جماعة من البشر هم أنفسهم الذين أذاعوا على جميع مواقعهم ما قلته عنهم من كلام يعترف لهم بالفضل فى موقعة الجمل، ويومها بالمناسبة كتب لهم أخ منهم تعليقا يقول «ومن هذا العلمانى الذى تلجأون إلى شهادته وتفخرون بها»، وأظنهم الآن يقولون له «أصبت وأحسنت ولن نكررها ثانية بإذن الله».

ما أريد أن أقوله لك ببساطة أن الإخوان جماعة بشرية تحمل بداخلها كل أمراض مجتمعنا وثقافتنا فضلا عن أمراض النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، ومشكلة الإخوان أنهم قرروا أن يعطوا لأنفسهم وضعاً خاصاً بأن يخوضوا الصراعات السياسية بغطاء دينى يجعل أى هفوة أو خطأ يرتكبه أحد منهم أمرا يستحق التوقف عنده طويلاً من الجميع، ولو أنهم حذوا حذو الأحزاب السياسية التى تعتمد المرجعية الإسلامية فى فكرها وثقافتها دون أن تصدره فى شعاراتها وتستخدمه فى اللعبة السياسية مثل حزب العدالة والتنمية التركى لأراحوا واستراحوا،

لكنهم يعلمون جيدا أنهم لو فعلوا ذلك سيفقدون الميزة التنافسية الأبرز التى يروجون بها لأنفسهم بين الناس فى خطبهم وأدبياتهم بل حتى فى أناشيدهم التى يصفون أنفسهم فيها بأنهم «جند الله»، ومن الذى يجرؤ فى بلاد تعودت على الثنائيات أن يختلف مع جند الله سوى الذين يتسلحون بالمعرفة والدراية ولا يهابون من الشعارات الطنانة ولا يتخذون من الدين سبيلا للمكاسب السياسية الرخيصة، وفوق كل هذا وذاك يحتسبون عند الله ما يتعرضون له من تكفير وشتائم حتى لو أحزنهم أن ترد من أناس يقولون إن الله غايتهم والرسول قدوتهم.

هذا، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.

Sunday, May 29

مني الشاذلي تفضح صبحي صالح لانه حلف بالله باطل

ريم ماجد - بلدنا بالمصري - تعقب علي جمعة الغضب الثانية

ديموقراطي يعني كافر والعياذ بالله

من اجل مصر .. كن مصري

يسري فوده : لا يا سيادة اللواء

رفع اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سماعة الهاتف إلى أخبار قناة «أون. تى. فى»، أمس الأول، كى يوبخها لأنها استخدمت على شاشتها كلمة «حاشدة» لوصف تظاهرة «جمعة الغضب الثانية». وقبل أن أعتب عليه أعتب على زملائى الذين أسقطوا الكلمة من على الشاشة بعد المكالمة، ولى فى هذا العتاب أسباب تخص الطرفين وتخصنا جميعاً.

فأولاً: من الواضح أن ثورتنا، فى موجاتها ومنحنياتها المتواترة المتوترة، تمر الآن بطور أقرب ما يكون إلى التوجس والتربص بين أطراف البيت الواحد، وهو طور يفرض على البيت كله مسؤولية أكبر، وإن زادت المسؤولية فى حالة رأس البيت.

وثانياً: لا يمكن لوصف بلاغى مختزل أن يثير البلبلة بقدر ما تثيرها مكالمة هاتفية طارئة تقترح على صاحب الوصف كيف ينبغى عليه أن يرى العالم، وكيف ينبغى عليه أن يصفه، خاصة حين يأتى هذا من أحد أعضاء رأس البيت وهو فى زى عسكرى يفرض الاحترام والطاعة فى سياقه المعتاد.

وثالثاً: لا يصح أن يكون رأس البيت طرفاً فى قضية، خاصة من هذا النوع، وإنما يتوقع البيت منه أن يعلو بنفسه فوق الأطراف، وأن يبقى وكيلاً عن الشعب كله فى ثورته. ذلك أن انزعاجه من وصف كهذا - بغض النظر عن مدى اتفاقنا عليه - يكرس انطباعاً عنه بأن نجاح التظاهرة من وجهة نظره يعنى بالضرورة هزيمة لرأس البيت، وهو ما ليس صحيحاً، وهو ما لا ينبغى له على الإطلاق أن يكون صحيحاً.

لقد تكرر هذا الموقف حتى الآن مرتين على الأقل، أولاهما عندما انتشر بين أرجاء البيت إحساس بأن رأس البيت يربط نجاحه بنجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى اتجاه بعينه، إلى حد أن اللواء شاهين نفسه اعتبر - فى اتصال مع الزميلة ريم ماجد - أن 77% من الشعب المصرى قالوا «نعم» للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. إن من شأن تصريح كهذا أن يثير من البلبلة ومن الحيرة ما لا يقارن بما يمكن أن يحدث حين يقال إن عشرة أشخاص يحتشدون فى ميدان التحرير فى حين أنهم ستة فقط.

رابعاً: رغم محاولات مستميتة من أطراف مختلفة لإرهاب طرف من أطراف البيت ولنزع المصداقية عنه، خرجت التظاهرة بصورة أقوى مما كان كثيرون يتوقعون، كماً وكيفاً، واستطاع أصحابها، أمام تحديات ضخمة، أن يخرجوا باليوم ليس فقط إلى بر الأمان، بل أيضاً بصورة كان ينبغى علينا جميعاً - وفى مقدمتنا رأس البيت نفسه - أن نفتخر بها وأن نعتز، لا أن نشعر إزاءها بالتهديد.

إن من واجبنا تجاه أنفسنا فى هذه اللحظات ألا نمل أبداً من أن نتذكر قول بنجامين فرانكلين: «هؤلاء الذين يستبدلون الحرية بالأمن لا يستحقون أياً منهما»، وهو ما يعنى من ناحية أخرى أن هؤلاء الذين يستميتون من أجل الحرية أولاً سينتزعون فى النهاية أمنهم بأيديهم، فذلك أكرم لهم ألف مرة من أن ينعموا بالأمن فى قبضة العبودية والفساد.

استقيموا يرحمكم الله.

محامي الرئيس السابق: مبارك «حزين» وثروته لا تزيد على 6 ملايين جنيه





مبارك .. شعبي حبيبي


مبارك .. شعبي حبيبي
للشاعر الكبير
احمد فؤاد نجم


Thursday, May 26

حكاية ثورة - فيديو خاص بثورة الغضب المصرية الثانية

ثورة الغضب المصرية الثانية 27 مايو في 60 ثانية

بلال فضل : لماذا يجب أن ننزل غداً إلى ميادين التحرير؟

«هل فقد خيرة أبناء مصر نور أعينهم من أجل أن ترى مصر العدالة (طشاش)؟، هل ضحى المصريون بأموالهم وأمنهم ومصالحهم من أجل أن تستعيد مصر ثروتها المنهوبة حسب التساهيل؟، هل تعرض أبناء مصر للاختناق بفعل قنابل الغاز المباركية من أجل أن تشم مصر نُفُسها وتستعيد نفسها؟

أم أنهم قدموا كل تلك التضحيات التى أذهلت العالم لكى ترضى مصر بقليلها وتحمد ربنا على قد كده وتبوس إيديها وش وضهر وتعود ثانية لكى تنتظر ما يجود به عليها حكامها؟.

إذا كنت قد رأيت كيف يؤدى التأخر فى الدواء إلى استفحال المرض، فلماذا إذن يا جيشنا العظيم تتركنا نسأل كل هذه الأسئلة، وأنت تمتلك القدرة على الإجابة الحاسمة القاطعة. يا جيشنا العظيم: أليست مصر أكبر من الجميع؟،

أليس دم الشهداء أغلى من حسنى مبارك وأولاده وأصدقاء عمره؟، أليس الوقت كالسيف؟،

ألا تفرق الثانية فى حسم المعارك وتغيير المصائر؟، ألا يستحق الشعب المصرى أن يفرح مرة من (نِفسه») فرحة كاملة غير مقطوشة، لكى نطلب منه بعدها أن ينتج ويعمل ويتطلع إلى مستقبل ليس فيه وزراء فشلة ولا عدالة منقوصة ولا كرامة مهدرة ولا ثروات منهوبة؟».

أكتفى بهذا القدر من الأسئلة لأطرح عليك سؤالا جديدا: هل يبدو لك هذا الكلام تسخينا ضد المجلس العسكرى فى إطار حملة الانتقادات الموجهة إليه؟،

هل أحسست أن هذه الأسئلة ترغب فى شعللة الأجواء للحشد من أجل الموجة الثانية من الثورة غدا؟،

إذا ظننت ذلك فأنا أحييك على حسن ظنك، لكن دعنى أقل لك إننى نشرت هذه الأسئلة فى هذه الصحيفة يوم 3 مارس الماضى فى مقالة بعنوان (هيا إلى الميدان)، ومجرد كونها مازالت صالحة للنشر كأنها مكتوبة اليوم هو فى حد ذاته سبب كاف للنزول إلى الميدان غدا، فقد قامت الثورة أصلا لكى نعيش فى بلاد لا ينشف ريقنا من أجل أن نحظى بإجابات قاطعة على أسئلتنا المصيرية.

إذا كنت تقرأ لى بانتظام ولست محتاجا لأن أعيد لك نشر ما سبق أن كتبته، فأنت تعلم أننى سبق أن كتبت عقب فض الجيش لاعتصام تسعة مارس مقالا بعنوان (أنقذوا شعار الجيش والشعب إيد واحدة) وأننى نبهت فى مقال سابق إلى أن الثورة تواجه أخطارا كثيرة على رأسها إحداث وقيعة بين الجيش والثورة،

وتحول الكتلة الصامتة إلى قوة مواجهة ضد الثورة، وكم كنت أتمنى أن أكون مخطئا فيما قلت لكن يؤسفنى أنك تدرك الآن أن هذين الخطرين أصبحا أقرب ما يكون للتحقق بشكل كامل، وأرجو أن نكون صادقين مع أنفسنا لكى نسأل لماذا حدث ذلك، وكيف انتقلنا من يوم 12 فبراير عندما تركت الملايين الثائرة ميادين التحرير فى جميع أرجاء مصر وعادت إلى بيوتها ثقة منها فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تعهد بتحقيق مطالب الثورة، لنصل إلى يوم 27 مايو حيث يشعر الكثيرون وأنا منهم بأننا أخطأنا خطأ جسيما بترك ميادين التحرير قبل أن تتحقق جميع مطالب الثورة، بدلا من أن نضطر إلى الضغط المليونى المتواصل للحصول بنشفان الريق على حقوق تُعتبر من أبسط بديهيات الثورة فى تاريخ الثورات فى العالم كله، وكأن هذا البلد كثير عليه أن يفرح فرحة كاملة ويرى إنجازات ثورية تتناسب مع التضحيات العظيمة التى قام بها أحراره.

إذا كان كلامى الآن يقلقك ويوترك، فأرجوك يا سيدى: تعال لنتحدث عن الغضب بهدوء.

يا سيدى ما أسهل أن تعلن ضيقك من الدعوات التى تتنادى إلى جمعة ثانية للغضب وثورة ثانية ، وما أسهل أن تلوم مئات الشباب الذين قرروا كتابة تدوينات تنتقد أداء المجلس العسكرى، فأنت بالتأكيد خائف وقلق من أن تتطور الأمور ليحدث ما لا يحمد عقباه بسبب جموح بعض الثائرين وشططهم، ولك كل الحق فى قلقك وخوفك، لكن هل لى أن أذكرك بأن ذلك الجموح والشطط هو وحده الذى جعل مصر تعيش للمرة الأولى فى تاريخها بلدا به مواطنون لا رعايا، بلدا لديه فرصة للمرة الأولى فى تاريخه أن يكون، لكن هناك قوى كثيرة لا تريد له أن يكون، أو تريد له أن يظل بلدا على ما قسم أو على ما تفرج أو على قد ما يرغب حكامه له أن يكون.

هل أنت مختلف مع الشعار الذى رفعه بعض الشباب الداعين إلى ثورة الغضب الثانية «ماحسيتش بالتغيير وعشان كده هانزل التحرير»؟، وما له، أنا أشاركك الاختلاف مع ذلك الشعار، بل أختلف أصلا مع تسميتها ثورة الغضب الثانية، فأنا أميل إلى تسميتها بالموجة الثانية من الثورة، لأن تسمية ثورة الغضب الثانية تعطى إيحاءات كثيرة غير مريحة لرجل الشارع قبل أن تكون غير مريحة لرجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين قاموا عن حق بدور رائع فى حماية الثورة، لكن دورهم هذا للأسف تحول إلى عبء على الثورة، وسأشرح لك ذلك لاحقا، إذا أذنت لى بأن أجيبك أولا لماذا أختلف مع الشعار الذى تم رفعه خلال الأيام الماضية.

أنا يا سيدى أرى أنه شعار صيغ بفعل الحماس فكان مجحفا بعض الشىء، فى رأيى لا يمكن أن يقول منصف أنه لم يحس بالتغيير الذى شهدته مصر ولم يكن يحلم به أى منا قبل يوم الخامس والعشرين من يناير، لكن مَن قال إن الثورات تقوم من أجل التغيير، الثورات يا سيدى تقوم من أجل التطهير، التغيير عملية يمكن أن يقوم بها حاكم ظالم يخشى ضياع عرشه فيقوم بإصلاحات جذرية أو واسعة أو حتى محدودة، وقد كان آلاف الكتاب والسياسيين فى عهد المخلوع مبارك يطالبونه طيلة الوقت بالتغيير، ولما قام هو ورجاله بسد منافذ التغيير كانت الثورة، فبالله عليك أين هو التطهير الذى حملته الثورة حتى الآن؟.

شوف يا عزيزى منذ أن قامت الثورة قيل كلام كثير بعضه غث وبعضه سمين، وبعضه حق وبعضه حق يُراد به باطل، لكن أفضله وأجمله وأهمه كلام قاله المحامى القدير ناصر أمين فى حوار رائع مع الأستاذ إبراهيم عيسى فى برنامج (فى الميدان) عندما تحدثا سويا عن تجارب عدد من الثورات السابقة التى تشكلت فيها لجان للمصالحة والحقيقة والاعتراف والتطهير، أرجو أن تشاهد ذلك الحوار على اليوتيوب لكى تدرك أن نزولنا إلى التحرير أمر حتمى لا غنى عنه من أجل مصلحة هذه البلاد، وأن هذه البلاد لا يمكن أن تتقدم شبرا إلى الأمام دون حدوث إصلاحات جذرية وتطهير حقيقى فى ثلاثة ميادين هى على حد تعبير ناصر أمين: الأجهزة الأمنية والقضاء والإعلام، وأرجوك أن تسأل نفسك ما الذى حدث منذ أن قامت الثورة من إصلاح أو تطهير أو حتى مجرد سعى للتطهير والإصلاح فى هذه المجالات، لتعرف أننا لسنا سائرين على الطريق الصحيح للأسف الشديد.

ستقول لى الآن لكن كثيرا من الذين ينادون إلى النزول فى جمعة الغد لا يتبنون هذه الرؤية بل يرفعون مطالب متعددة إلى درجة التناقض وبعضها شديد الخطورة على مستقبل البلاد، سأقول لك وما له، التحرير بالنيات يا صديقى، ولكل مواطن ما نوى، لعلك تذكر أنه كان فى الثمانية عشر يوما التى سبقت حكم مبارك بعض من يطالبون بالإعدام الفورى لمبارك ونصبوا له مشنقة فى ميدان التحرير، لكنهم عندما رأوا أنه سيقع هو وجلادوه تحت طائلة القانون عادوا إلى بيوتهم منتظرين أن يشهدوا ذلك، فلم يشهدوا إلا تلكؤا وتلاعبا بمشاعر الناس واستخفافا بدماء الشهداء وآلام الجرحى ومحاباة لمبارك وأسرته والعادلى تؤدى إلى عدم تحقيق لمبدأ الردع العام الذى قامت القوانين أصلا من أجل تحقيقه.

للأسف الشديد يحاول البعض وبينهم بعض قادة الإخوان أن يصوروا أن كل مَن سينزلون إلى ميادين التحرير يريدون تغيير خارطة الطريق التى تدار الفترة الانتقالية على أساسها، لكى نبدأ أولا بانتخاب جمعية تأسيسية تكتب دستورا جديدا للبلاد ثم تقوم انتخابات رئاسية تعقبها انتخابات برلمانية، ورغم أننى أتحفظ على هذا المطلب الذى يرفعه البعض، لأنه لا يحترم نتيجة الاستفتاء الذى اختارت الأغلبية الكاسحة التى شاركت فيه خارطة طريق أخرى، وأعرف كثيرين سيشاركون غدا وليسوا مقتنعين بحكاية تغيير خريطة الطريق ولا بموضوع المجلس الرئاسى الذى لا يعدو فى رأيى كونه أكثر من رد فعل غاضب على سياسات المجلس العسكرى غير الموفقة، إلا أننى أريد أن أسأل: ألم يكن من الممكن ألا نرى مثل هذه المطالب تُرفع لو كان المجلس الأعلى قد قام بتمثيل جميع التيارات السياسية فى لجنة التعديلات الدستورية بدلا من استفزاز القوى السياسية باختيار ممثل وحيد عن تيار الإخوان المسلمين، ليدخل نفسه ويدخل البلاد فى دوامة من الجدل حول ما إذا كان هناك تحالف بينه وبين الإخوان؟

ألم يكن من الأجدى والأوفق أن يدور حوار حقيقى بين المجلس وممثلى جميع القوى السياسية حول نص الإعلان الدستورى وحول قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل أن يتم إعلانه للناس، بدلا من التعامل بطريقة «وإن كان عاجبكم» التى تستند إلى حقيقة أن الغالبية العظمى ستختار أى بديل آمن، لكنها فى نفس الوقت تغفل حقيقة أن القوى الثورية لن تفكر بمنطق الأغلبية إلا فى ظل بناء سياسى ديمقراطى متكامل لا يجور على حقوق الأقلية ولا ينقل مصر من استبداد إلى استبداد باسم الدين أو باسم المال أو باسم تحالف القوى التقليدية فى الدولة مع الدين والمال؟

للأسف الأشد هناك مَن يحاول تشويه الموجة الثانية من الثورة بالتركيز على مطالب غريبة الشكل وردت فى بعض صفحات الـ«فيس بوك» تدعو للتصادم مع المجلس العسكرى، وأغربها يدعو إلى إجراء انتخابات فى جميع الوحدات العسكرية إعمالا للديمقراطية، وهو مطلب مضحك ومبك فى الوقت ذاته، ولا أظن أن من كتبه متآمر كما يحاول أن يصور البعض، لأنه لا يوجد متآمر يتمتع بهذه السذاجة الثورية، فحتى المتآمرون يطرحون طلبات يمكن تلبيتها ليبدو أن من يرفضونها متعنتون وغير راغبين فى الحل،

ومازلت أعتقد أن هذه المطالب ليست سوى رد فعل على سياسات المجلس غير الموفقة، وفى ظنى وقد أكون مخطئا أن العقلاء لو تحدثوا مع هؤلاء المتحمسين الذين رفعوا تلك المطالب لأقنعوهم بسهولة بأنه لا يوجد عاقل يمكن أن يدعو إلى انتخابات فى مؤسسة عسكرية ولو حتى فى أعتى الدول الديمقراطية فى العالم، والكل يعلم أن الحياة العسكرية حياة قائمة على الترتيب الهرمى فى القيادة وعلى الضبط والربط والحسم والحزم والشدة والأوامر العسكرية، وكلها معايير لا علاقة لها بالحياة المدنية على الإطلاق، ولتتناقشوا معهم بالعقل حول المطلب البرىء الذى يدعو للإفراج عن الضباط الذين نزلوا إلى اعتصام تسعة أبريل لأنهم بالفعل ارتكبوا مخالفة عسكرية صريحة تستوجب عقابهم، ولو راجع أى من هؤلاء نفسه بهدوء وإنصاف لأدرك أنه حتى فى أمريكا التى تتمتع بدرجة هائلة من الحرية فى نقد ممارسات المؤسسة العسكرية لم نشهد مسيرة مليونية للتضامن مع الضابط الذى تم اعتقاله ومحاكمته عسكريا لأنه قام بتسريب وثائق سرية إلى موقع ويكيليكس، كل ما فى الأمر أنه تم عمل حملة توقيعات لتحسين ظروف اعتقاله وعدم ممارسة انتهاكات بدنية ضده،

وبناء عليه أضم صوتى إلى كل أصوات منظمات حقوق الإنسان التى التمست من المشير حسين طنطاوى تخفيف الأحكام الصادرة ضد هؤلاء الضباط بالسجن عشر سنوات مراعاة لمشاعرهم الوطنية. أعلم أن هذا الكلام سيجر علىّ حملة من التشنيع والتخوين من قِبَل بعض الطفوليين الثوريين الذين يمارسون على من يختلفون معهم فى الرأى نفس الممارسات المباركية التى ثاروا ضدها، لكننى عاهدت نفسى منذ أن اخترت طريق الكتابة ألا أغضب ضميرى لكى أنال رضا الناس، وضميرى يحتم عليّ أن أعلن أن وحدة المؤسسة العسكرية أمر فى مصلحة كل مصرى مؤيدا كان أو معارضا، وأنه إذا كنا نمارس النقد فى حق المجلس العسكرى فنحن نفعل ذلك لأنه أصبح الآن سلطة سياسية حاكمة تدير شؤون البلاد، لكن ذلك لا ينبغى أن يجرفنا إلى إعلان تصرفات هوجاء نجرى فيها وراء مناضلين يختبئون خلف أسماء مستعارة، حتى وإن كانوا حسنى النوايا فلا يعلم النوايا إلا الله.

لقد استاء البعض من حملة التدوين التى قام بها أكثر من ثلاثمائة مدون لانتقاد سياسات المجلس العسكرى، وأخذ بعضهم يتصيدون جملا منها لكى يقدموا على حد علمى بلاغات شفهية إلى قادة المجلس لتحريضهم على اتخاذ مواقف متعنتة ضد دعوة الموجة الثانية من الثورة، وربما كان ذلك السبب الذى دفع إلى إلغاء حلقة من برنامج (آخر كلام) مع الإعلامى الأهم فى البلاد الآن الأستاذ يسرى فودة، والتى كان مقررا أن يشارك فيها اللواءان محمود حجازى ومحسن الفنجرى مع كل من الدكتور علاء الأسوانى والعبد الفقير إلى الله،

وأعتقد أن إلغاء تلك الحلقة فى اللحظات الأخيرة حمل رسالة خاطئة تضاف إلى سلسلة الأخطاء التى يقع فيها المجلس العسكرى فى هذه الفترة. بالطبع لست متفقا مع كل كلمة فيها تجاوز أو إساءة حملتها بعض تلك التدوينات، لكننى إحقاقا للحق، (ولست باحثا عن بطولة فظنى أن هذا ليس وقت البطولات على الإطلاق) أشهد أمام الله والوطن بأننى فخور بهؤلاء الشباب الذين يناضلون دفاعا عن الحرية داخل مصر وهم يحملون أرواحهم على أكفهم من أجل ما يعتقدون أنه الحق، هؤلاء الشباب هم أجمل وأجدع وأنبل ما فى هذه البلاد ويجب أن يكون كل مصرى وإن اختلف معهم فى الرأى فخورا بهم لأنهم يشكلون ضمانة أكيدة على أن هذه البلاد لن تفقد روحها الثائرة المتمردة التى ستجنبها الوقوع ثانية فى مستنقعات الرخاوة والبلادة والتناحة التى يفضل الأغلبية أن يمكثوا فيها سنين عددا.

أعلم أن الروح العسكرية التى تعودت على الطاعة والتمام ستنفر من هذه التدوينات الجريئة، لكننى أكرر أن المؤسسة العسكرية تلعب الآن دورا سياسيا قد لا تكون راغبة فيه، لكنها يجب أن تؤديه طبقا للقواعد السياسية، ومن أهم قواعد اللعبة السياسية أن تستمع إلى أشد الآراء اختلافا معك وليس إلى أكثر الآراء قربا منك، ولو كان المجلس الأعلى يمتلك قنوات توصيل سليمة وغير مليئة بالشوائب للتواصل مع الثورة وقواها لما وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف،

وقد لاحظت أثناء الجلسات الثلاث التى التقيت فيها بقيادات المجلس الأعلى مع عدد من الكتاب والمثقفين أن هناك حالة من خلط الحابل بالنابل فى قوائم المدعوين تحت مسمى عدم إقصاء الجميع، وهو أمر يمكن أن أتفهمه فى سياق حوار وطنى يجب أن يشمل الجميع فى مرحلة لاحقة بعد تحقيق أهداف الثورة، لكننى لا يمكن أن أتصوره فى حالة الرغبة فى تجفيف منابع السخط والانتقال إلى مرحلة البناء، لأن أبسط قواعد البناء تقتضى أن تبنى على أسس سليمة وأنت تكتسب معلومات من مصادر لن تقوم بتضليلك أو إعطائك معلومات ملونة تبث فيها سخطها على الثورة التى ستحرم الكثير من الفاسدين وأرباع الموهوبين من امتيازات حصلوا عليها ظلما وعدوانا، ويشهد الله أننى فى كل مرة كنت أعبر صراحة عن رفضى لهذه الطريقة التى تؤدى بصانع القرار إلى أن يكتسب انطباعا خاطئا عن الواقع، فهو عندما يستضيف للحديث عن الثورة أناسا ضد الثورة سيعطونه انطباعات خاطئة تؤدى به إلى قرارات خاطئة أو متراخية، ونظل ندور فى حلقة مفرغة لا نهاية لها.

أفتح هنا قوسا لأقول إننى عندما كنت أكتب بعض ما يدور فى تلك الجلسات وأنقله إلى الناس وأبدى إعجابى ببعضه وأناقش البعض الآخر الذى لا أوافق عليه، كانت تأتينى رسائل من بعض القراء تتهمنى بأننى بعت نفسى وأصبحت عميلا للمجلس الأعلى، فى ذات الوقت الذى كنت أتلقى فيه عتابا من بعض القيادات العسكرية يعتبروننى فيه متشددا فى انتقاداتى وغير مقدر للدور الذى يلعبه المجلس العسكرى فى حماية الثورة، وأظن أن نفس هذا الموقف خاضه الكثير من الكتاب غيرى بل وكتبوا عنه، وهو أمر ليس غريبا فى ظل عقلية الاستقطاب التى نعامل بها بعضنا البعض دائما وأبدا، وتحتاج إلى سنوات طويلة من ممارسة الديمقراطية الحقيقية لكى نتخلص من هذه العقلية الاستقطابية المريرة.

من الآخر، لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يدعى أنه يوجه المشاعر الثورية الغاضبة الآن، فالثورات أصلا تقوم لكى يطلب كل ثائر ما يراه حقا لا بديل عنه، ويتوقف نجاح كل ثورة من عدمه على قدرتها على إحداث توافق عام فى مطالب الثائرين، ولذلك نجحت الموجة الأولى من الثورة لأنها شهدت توافقا عاما فى مطالب الثائرين، وقد شهد أحد تلك المطالب نجاحا ساحقا على مرحلتين، المرحلة الأولى كانت (ارحل يعنى امشى.. يمكن مابتفهمشى)، وهى لم تستمر أكثر من يوم أو يومين قبل أن ننتقل إلى مرحلة (ارحل يعنى امشى ياللى مابتفهمشى)،

أما المطلب الأهم والأبرز (الشعب يريد إسقاط النظام) فقد حدث للأسف توافق على فهمه بطريقة معينة بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين والقوى المحافظة فى الدولة التى كانت جزءا رئيسيا من النظام، لكن أغلبية القوى الثائرة تفهمه بطريقة مختلفة تماما، فإسقاط النظام بالنسبة لها يعنى إسقاط النظام الأمنى الذى قمع حريات الناس وأذل كرامتهم ليتحرك تحت رقابة قضائية كاملة، وتطهير النظام القضائى الذى كان بعض رجاله يلعبون فى عهد مبارك أدوارا غير مفهومة هذا لو استخدمنا أكثر التعبيرات تهذيبا ولذلك لابد أن نزيل منه كل الشوائب العالقة به والتى تؤدى إلى زيادة حالة البلبلة التى يمكن أن تؤثر على شموخ البنيان القضائى الراسخ، وتغيير النظام الإعلامى الذى مازال ينفر من الكلمة الجريئة ويقطع البرامج على الهواء دون أن يدرك أن معطيات العصر تغيرت إلى الأبد فى ظل الإعلام البديل الذى لا يعترف بالحجب ولا التعمية أيا كان هدفها.

إذا كنت تتفق مع قادة المجلس الأعلى فى الغضب من الذين يدعون إلى ثورة غضب ثانية فأرجوك أن تتخلى قليلا عن القلق والخوف والتحيز وتضع نفسك فى مكان الغاضبين، وتتأمل بعض تفاصيل المشهد: مصاب من أبطال الثورة اسمه مصعب أكرم الشاعر يتصل من ألمانيا بالإعلامى القدير محمود سعد ليقول له تفاصيل مخجلة ومخزية عن القتلة الذين لم يتعرضوا للحساب فى وزارتى الداخلية والصحة حتى الآن، أرجوك استمع إلى المكالمة على اليوتيوب وأنت تتخذ قرارك بالنزول: مصابون يتحدثون معى على الهواء عن ضغوط تمارس ضدهم لسحب بلاغاتهم ضد حبيب العادلى والضباط المتهمين بالقتل والاعتداء على المتظاهرين بل يعترف لى مصاب بأنه حصل على عشرين ألف جنيه لكى يتنازل عن بلاغه لأن الضابط الذى أطلق عليه النار مازال فى الخدمة فى نفس موقعه وقال له ولأبيه «لو أنا ما أذيتكش هييجى الضابط اللى بعدى وهيإذيك» مهازل تتكشف كل يوم حول الأموال المهربة وتساؤلات تثور دون إجابة حول الدور الذى لعبه أحمد شفيق فى هذا الملف خلال فترة ما بعد رحيل مبارك وهى الفترة التى شهدت سخطا عاما ضده ولم يبق فى منصبه إلا لأن المجلس الأعلى أراد بقاءه أسئلة حول هروب حسين سالم من مصر رغم أن القاصى والدانى يعلم كونه الوحيد الذى يعلم كل شىء عن ثروات مبارك ورجاله بل إنه فى حد ذاته أكبر تهمة يمكن أن يحاكم بها مبارك،

لا أدرى هنا هل قرأ المجلس الأعلى ما نشرته صحيفة «روزاليوسف» حول كون حسين سالم يمتلك وثيقة سفر إسرائيلية نشرت صورتها على الملأ وهل يجب أن يجعلنا ذلك نكتفى بمحاكمته غيابيا قبل أن نعرف أصلا من الذى سمح له بالهروب حسم أعنف من اللازم فى مواجهة الثائرين وتراخٍ أكثر من المقبول فى مواجهة المتطرفين والمتشددين تباطؤ فى اتخاذ إجراءات صارمة ضد التراخى الأمنى رغم أن بعض قادة الجيش قال لعدد من المثقفين فى أكثر من لقاء إنهم يمتلكون حلولا لذلك الأداء الأمنى المتعثر دون أن نرى ذلك على أرض الواقع استمرار فى سياسة العناد التى تصر على إبقاء مسؤولين غير أكفاء أمثال الدكتور يحيى الجمل والدكتور سامى الشريف رغم أن كل ما يقومون به من أخطاء لا يتحملونها هم بل يتحملها المجلس العسكرى الذى يحتاج إلى من يخفف عنه الأعباء ولا يزيدها اتخاذ قرارات خاطئة فى تعيين المحافظين والإبقاء على رؤساء الجامعات والعمداء والمجالس المحلية

بزعم مراعاة القانون رغم أن الإعلان الدستورى أصبح يشكل مرجعا قانونيا جديدا يمكن أن تصدر قرارات جديدة من وحيه وأظن أن المجلس يمتلك رصيدا من فقهاء القانون المتعاونين معه والذين لن يألوا جهدا فى إيجاد مخارج قانونية تساعد على تخفيف بؤر التوتر فى البلاد إذا توافرت الإرادة السياسية وأخيرا الإصرار على عدم تفعيل المواد الموجودة فى القانون التى يمكن أن يحاكم بها رجال مبارك بتهمة الفساد السياسى، أو حتى تشريع قوانين جديدة بزعم أن ذلك سيكون مسؤولية البرلمان القادم مع أن المجلس ذاته يقوم بسن قوانين جديدة دون أن ينتظر البرلمان القادم.

بذمتك ودينك ألا تشكل كل هذه التفاصيل، وهى غيض من فيض، أساسا كافيا لانطلاق موجة غضب تهدف إلى أن تعيش مصر ثورة كاملة وفرحة غير مقطومة، أرجوك أن تفكر جيدا فى كل ما قلته، ولو اقتنعت به فسننتظرك غدا فى ميادين التحرير لكى تهتف معنا مطالبا المجلس العسكرى بأن يتذكر تعهده بتحقيق جميع مطالب الثورة دون تباطؤ أو تراخٍ، فالتباطؤ وحده هو الذى يوقد نيران التشدد، والتراخى هو الذى يمنح الفوضويين شرعيتهم، والعدالة الكاملة وحدها هى التى يمكن أن تحيل ميدان التحرير إلى مزار سياحى بدلا من أن يكون مزارا للثائرين الغاضبين والحالمين بمصر جديدة لا شِيَة فيها.

حى على التحرير، وتحيا مصر.

المصدر : جريدة المصري اليوم

جمعة الغضب الثانية 27 مايو 2011

Sunday, May 22

يسري فوده : ماكينة الشائعات

أثبتت التجارب فى مجال الإعلام أن هناك علاقة طردية بين نقص المعلومات وانتشار الشائعات. فمثلها مثل الهواء والماء والطعام والنوم، تعتبر المعلومة حاجة إنسانية فإذا لم تتوافر لنا فإن خيالنا ينشط، رغماً عنا، فى ملء الفراغ، وحين يحدث هذا نكون قد اقتربنا من الدخول إلى دائرة نظريات المؤامرة، ولا أحد يستريح لموقف كهذا إلا الجاهلون أو أصحاب الغرض.

فى الطريق إلى أصحاب الغرض يقبع أربعة أصناف من «الإعلاميين»: أولاً، المتمكنون من أدواتهم، لكنهم ليسوا من أصحاب المبادئ. وثانياً، غير المتمكنين من أدواتهم، ولا هم من أصحاب المبادئ. وثالثاً، غير المتمكنين من أدواتهم، لكنهم من أصحاب المبادئ. ورابعاً، المتمكنون من أدواتهم أصحاب المبادئ.

والذى لا يحتاج إلى كثير من البرهان أن أصحاب الغرض حين يحاولون «استخدام» الإعلاميين فإنهم يعلمون - بالفطرة فى كثير من الأحيان - أن الترتيب المشار إليه أعلاه فى تصنيف الصحفيين هو أفضل ترتيب من وجهة نظرهم. فالصنف الأول قد يكون نادراً لكنه أقوى حليف يمكن الحصول عليه لتسميم الأجواء وإشاعة الفوضى بأقل قدر ممكن من المخاطرة. والصنف الثانى، وهو أكثر انتشاراً، يؤدى الغرض لكنه فى بعض الأحيان يكون كالدب الذى أراد أن يهش الذباب عن وليده فأصابه فى مقتل. والصنف الثالث يحتاج إلى بعض الجهد لخداعه وإيهامه بأنه - على سبيل المثال - سيكون وطنياً إذا ركز على هذه «المعلومة» أو تلك. أما الصنف الرابع فلا طائل منه من وجهة نظرهم فتراهم يتجنبونه، وفى بعض الأحيان يقررون أن يحاربوه.

تقدم الحياة «الإعلامية» فى مصر الآن مثالاً فى منتهى الثراء لدارسى جمع «الخبر» وصياغته، سنقرأ عنها كتباً كثيرة بلا شك فى المستقبل القريب. لكنها تجعلنا فى الوقت نفسه نعود بالذاكرة إلى الماضى القريب، قبل نحو شهر من مولد الثورة المصرية، عندما أتاحت أهرام أسامة سرايا صفحاتها لسلسلة «مقالات» من النَفَس الطويل للكاتب المهندس أحمد عز يشرح فيها كيف كنا جميعاً من الغباء بحيث ظننا أن «انتخابات» مجلس الشعب الأخيرة كانت مزيفة.

من بين ما سمعته وما قرأته، لم أجد أبلغ من رد مواطن عادى أثبت لنا فى الواقع - نحن الإعلاميين - أنه إعلامى من الطراز الأول وهو لا يعلم. وقتها كتبت المقال التالى بتاريخ 26 ديسمبر 2010 بعنوان: «مصر الحقيقية ترد على عز»:

إذن فقد تحدث أمين التنظيم فى الحزب الوطنى المكتسح لمجلس شعب هو سيد قراره. أفردت له «الأهرام» - التى تحصل على ميزانيتها الضخمة من جيبك ومن جيبى، ومن جيوب الغلابة والمطحونين - من المساحة ومن الاهتمام ومن الترويج ومن الإخراج الفنى ما لم تفرد ربعه لأحد آخر. ليس من الصعب تخيُّل لماذا اضطر السيد أحمد عز إلى أن يتحول إلى كاتب طويل النفس، فلابد أنه يتابع - أو ربما يتلقى - تقارير منمقة عن حالة الكمد والرفض والقرف التى أصابت عامة الشعب المصرى لسنوات طويلة، وهى حالة زادت حدة حتى تحولت إلى حالة كوميمأساوية أثناء وبعد «انتخابات» مغتصبة باطلة بحكم محكمة.

لابد أنه وجد أن من واجبه أن يشرح لهؤلاء الذين يشعرون بما يشعرون أنهم لا يشعرون حقاً بما يشعرون، لأن أولئك الذين رأوا ما رأوا لم يروا حقاً ما رأوا. «هو الجدع ده بيتكلم عن أى بلد بالظبط؟».. تساؤل فى سياق تعليق مختصر لأحد قراء موقع «اليوم السابع» الذى نقل المقال عن «الأهرام» كى تنهال عليه تعليقات القراء الذين لم يجد كثير منهم أبلغ من ذلك الملاذ الأخير: «حسبنا الله ونعم الوكيل».

بعيداً عن تحليلاته لما حدث للوفد وللإخوان المسلمين، لجأ أمين التنظيم، الذى يؤمن بالتحديث وبآخر صيحات الموضة السياسية، إلى لغة الأرقام مرة أخرى. وهى لغة، لا غبار عليها من الناحية النظرية شرط أن تكون حقاً صحيحة دقيقة فى المقام الأول، وفى المقام الثانى ألا تنتزع من سياقها انتزاعاً يفرغها من معناها ويضلل المتلقى.

أمام هذا لا أجد أبلغ مما ساقه أحد القراء، الذى وقع باسم «إبراهيم»، فى رده على السيد أحمد عز:

«بما أن سيادتكم تحدثتم بلغة الأرقام، فسأجيبكم أيضاً بلغة الأرقام، والأمر متروك لضمير سيادتكم: هناك ٣٠ مليون مصرى مريض بالاكتئاب، منهم مليون ونصف المليون مرضى بالاكتئاب الجسيم، من بينهم ١٥% يلجأون إلى الانتحار (المرجع: د. أحمد عكاشة فى ندوة «المصرى اليوم» بتاريخ ٢٨/٩/٢٠٠٩).

مصر تحتل المركز ٥٧ من بين ٦٠ دولة فى تقرير البؤس العالمى (المرجع: مؤشر بلومبيرج). لدينا ٤٨ مليون فقير و١١٠٩ مناطق عشوائية (المرجع: تقرير صندوق النقد الدولى للتنمية الزراعية). لدينا مليونان ونصف المليون يعيشون فى فقر مدقع (المرجع: تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية).

٤٥% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار فى اليوم (المرجع: لجنة الإنتاج الزراعى فى مجلس الشورى). لدينا ١٢ مليون مصرى دون مأوى، منهم مليون ونصف المليون يعيشون فى المقابر (المرجع: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). ما لا يقل عن ٤٦% من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط (المرجع: تقرير شعبة الخدمات الصحية والسكان فى المجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية).

لدينا ٨٨ ألفاً و٧٧٩ قتيلاً و٣٧٩ ألفاً و٢٣٣ مصاباً بسبب حوادث الطرق فى الفترة من ١٩٩٠ إلى ٢٠٠٦، وهو ما يمنح مصر المركز الأول على مستوى العالم (المرجع: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). لدينا ٧٣٩٤ حادثاً بقطاع السكة الحديد فى الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٦ أسفرت عن مصرع ٥٧٣ شخصاً وإصابة ٨٠٥ آخرين، كما أن لدينا ٤ مليارات جنيه خسائر سنوية بسبب حوادث الطرق (المرجع: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار). لدينا ٣٩ ملياراً و٣٧٣ مليوناً و٥٢٤ ألف جنيه أموالاً و٣٧٠٤٤١ فداناً دارت حولها أخبار الفساد المالى والإدارى والإهمال وإهدار المال العام فى الفترة من أبريل ٢٠٠٨ إلى يناير ٢٠٠٩ (المرجع: تقرير عام ٢٠٠٨ لمركز الدراسات الريفية).

مصر تحتل المركز الأخير بين ١٣٤ دولة فى معدل تعيين الأقارب والأصدقاء فى المناصب المختلفة (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). مصر تحتل المركز ١١٥ بين ١٣٤، وفقاً لمؤشر مدركات الفساد الذى يقيس درجة انتشاره بين المسؤولين فى الدولة (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). مصر تتراجع من المركز ٧٢ عام ٢٠٠٦ إلى المركز ١٠٥ عام ٢٠٠٧ إلى المركز ١١٥ عام ٢٠٠٨ فى مؤشر الشفافية والنزاهة (المرجع: منظمة الشفافية العالمية). لدينا أعلى معدل لوفيات الأطفال فى العالم بواقع ٥٠ طفلاً لكل ١٠٠٠ مولود (المرجع: جهاز التعبئة العامة والإحصاء). نصف أطفال مصر لديهم أنيميا، و٢٩% منهم لديهم تقزم، و٢٤% منهم لديهم قصر قامة حاد، كما أن لدينا ٨ ملايين شخص مصاب بالسكر و٩ ملايين شخص مصاب بفيروس سى، الذى يضع مصر على قمة دول العالم فى الإصابة بهذا المرض (المرجع: د.مديحة خطاب، رئيس لجنة الصحة بأمانة السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى). لدينا ٢٠ ألف مصرى يموتون سنوياً بسبب نقص الدماء (المرجع: تقرير لوزارة الصحة المصرية). لدينا أكثر من ١٠٠ ألف مواطن يصابون بالسرطان سنوياً بسبب تلوث المياه (المرجع: د. أحمد لطفى، استشارى الأمراض الباطنة والقلب فى مستشفى قصر العينى).

لدينا سيارة إسعاف لكل ٣٥ ألف مواطن (المرجع: د. حاتم الجبلى، وزير الصحة، «الأهرام» فى ٣/٧/٢٠٠٨). من كل ١٠٠ شاب لدينا ١٦ استخدموا المخدرات، ولدينا ١٠ ملايين عاطل بين سن ١٥ و٢٩، أى نحو ٢٢% من إجمالى قوة العمل، كما أن لدينا ٩ ملايين شاب وشابة تخطوا سن الـ٣٥ دون زواج، بمعدل عنوسة ١٧%، ولدينا ٢٥٥ ألف حالة زواج عرفى بين الطلاب، وهو ما يعادل ١٧% من إجمالى طلاب الجامعات فى مصر، نتج عنها ١٤ ألف طفل مجهول النسب.

مصر أيضاً تحتل المركز الأخير بين ١٣٤ دولة فى مؤشر كفاءة سوق العمل، والمركز ١٢٩ فى معدل هجرة العقول العلمية والموهوبة والمركز ١٢٥ فى مؤشر استقرار الاقتصاد الكلى (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). لدينا،أخيراً، ٤٠ حالة تعذيب ثابتة رسمياً فى عام ٢٠٠٧ و٢٨ حالة ثابتة رسمياً فى عام ٢٠٠٧ عدا الحالات التى لم يمكن إثباتها، كما أن لدينا حالة وفاة تحت التعذيب فى ٢٠٠٧ و٥٦ حالة تعذيب لمواطنين داخل أقسام الشرطة، من بينها ١٣ حالة وفاة غامضة و٢٥ حالة اضطهاد واحتجاز تعسفى فى الفترة من يونيو ٢٠٠٨ إلى فبراير ٢٠٠٩ (المرجع: المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)».

شكراً للسيد أحمد عز الذى أتاح لنا مناسبة لعرض هذه الأرقام والإحصاءات التى لا يمكن أمامها لإنسان لديه قطرة دم إلا أن يشعر بالخزى والعار والمهانة. وشكراً للمواطن «إبراهيم» الذى قدم لنا فى تعليق عابر ما لم تقدمه لنا أحزاب المعارضة المصرية فى سنوات.

استقيموا يرحمكم الله.


Saturday, May 21

بلال فضل : زوجة الشهيد تتحدث

مساء الخميس الماضى تلقيت هذه الرسالة من زوجة الشهيد طارق عبداللطيف الأقطش التى أنشرها على أمل أن يقرأها كل مواطن مصرى فى موقع المسؤولية أو فى موقع الرضا أو فى موقع السخط أو فى موقع الفرجة، متمنيا أن ينشرها كل من يقرأها على كل من حوله، ثم يقرأ لشهدائنا الفاتحة أو يصلى لهم، ويدعو لأسرهم وأحبابهم بالصبر والسلوان، ويدعو لمصر بأن تشهد قريباً الفرحة الكاملة التى ظلت تحلم بها طيلة تاريخها، والتى سنعمل جميعاً من أجل أن تعيشها بلادنا لكى لا تذهب دماء شهدائنا هدراً. «عزيزى أستاذ بلال: أنا زوجة الشهيد طارق عبداللطيف. شهيد ٢٨ يناير.

أريد أن أشكرك لتذكرك شهداءنا دوما فى مقالاتك القيمة. وأريد أن أعقب على مقال اليوم خاصة لمن يتحدثون حول العفو عن مبارك ورجاله. لا، لا، لا، لن أعفو ولن أسامح فى حق زوجى، ولن أزرع التسامح تجاه قاتليه فى قلوب بناتى، ليس نوعا من الكره أو التشفى ولكن لأن أولئك الظلمة لم يرحموا أحدا، حيا أو ميتا، لم يرحموا أمهات تبحث عن طعام لأولادها أو بطانية تدفئ وليدها، أو حتى علاج أو مأوى لمريض كبد أو كلى أو سرطان.

هذا الخطاب الذى يتحدثون عنه كان مطلوباً يوم 25 من يناير عما بدر منه ومن وزيره العادلى تجاه شعب احتمله طوال سنوات من الشقاء والتعب والمرض. كان البعض يومها ينتظرون اعتذارا موجها لأرواح مواطنين معلقة فى رقبته هو وأهل بيته ومستشاريه ووزرائه.

لكن الآن وبعد كل هؤلاء الشهداء الذين سقطوا كيف يريد منى أحد الصفح أو العفو؟

عن ماذا؟ وغدا الذكرى السابعة لزواجى (٢٠/٥) أول ذكرى لى بدون رفيق عمرى واختيار حياتى. ماذا أقول لك عن إحساس أرملة فى الثالثة والثلاثين من عمرها بعد زواج لم يُتم السبع سنوات، بطفلتين مطالبة بأن أرد على أسئلتهما، وأن أذكرهما دوما بأب حاضر غائب؟

لكم تمنينا السفر سويا وحلمنا دوما بغد أفضل، وكنا دوما فى انتظار أن نكبر سويا ونرى بنتينا فى تخرجهما وفرحهما. ولكم وعدته بألا أعيش يوما من بعده. أعفو؟

لن أعفو أبدا ولن أسامح حتى لو تسامح كل أهالى الشهداء. لا أدرى كل هذا فى سبيل ماذا؟ أموال وسلطة؟ أم فى سبيل كفن بلا جيوب؟

بسبب جشعكم وتسلطكم وغبائكم اغتلتم أحلام أطفال وزوجات وأهالى، وقتلتم شبابا بلا أى حق، شباباً مسالماً لم يتخيل هذه النهاية أبداً. آخر ما تخيلوه - كما قال لى طارق - هو أن يتم حبسهم وضربهم «لحد ما يتعجنوا»، ولكن أبدا لم يكن ضمن خيالاتهم الموت برصاص حى ينطلق من قناصة، والله أنتم تستحقون الموت كل يوم وأنتم تتقطعون حزنا على أبنائكم وأحفادكم.

أنا لن أترك حق زوجى فى ثورة آمن بها وتحرك لها ومات فى سبيلها وهو المسالم الكاره للسياسة بكل أشكالها، ولكنه رأى فى تلك الثورة مستقبل بلاده وغد بنتيه.. لا لن أغفر أو أسامح، ولتترمل بناتكم، وليتيتم أحفادكم ولتموتوا كل يوم حزنا وكمدا عليهم، ولتخافوا من دعوة زوجة مظلومة فى عيد زواجها وهى ترتدى الأسود وتبكى من وجع قلبها والخوف من غد غير معلوم وثورة تُسرق وهى لا تملك أن تتركها لأنها دفعت ثمنها مقدما غاليا جداً.
عفوا إن كنت قد انفعلت، لكن فى قلبى وجعاً أصعب من أن أبوح به وخوفاً كبيراً لا يزول.
شكراً لك.
رانيا شاهين زوجة الشهيد طارق عبداللطيف».
عندما أرسلت إلى السيدة رانيا أستأذنها فى نشر هذا الخطاب الرائع، طلبتُ منها أن ترسل لى صورة تجمعها هى وابنتيها بالشهيد طارق لكى أنشرها بصحبة خطابها، أرسلتْ إلىَّ وسط أحزانها تطمئننى وتطمئنكم «ربنا يعين على هم بلد مخبى كتير ومليان فساد... بس والله أنا متأكدة إن بكرة هييجى أحسن وأحسن...

إحنا بس اللى مستعجلين، ما ينفعش 30 سنة وأكتر فساد وظلم واستغلال ونتوقع إن كل حاجة هترجع زى الفل فى كام شهر، اللى جاى أصعب علشان مليان تشتيت وتردد وكذب كتير، ربنا بس يثبتنا، أنا متأكدة إن طارق شاف بكرة حلو قوى علشان كده أصر إنه يكمل المشوار للتحرير.. أنا عارفة هو كان بيفكر إزّاى.

الحمد لله على كل شىء... إنت كنت عايز صورة لينا كلنا؟.. موجودة، بس عايزة أقولك حاجة، الصورة دى اتصورناها وإحنا بنتصور صور فيزة أمريكا وما كانش راضى يتصور وأنا اللى طلبتها علشان مالناش ولا صورة واحدة مع بعض كلنا... أصل سارة ما كانتش كمّلت سنة.... سبحان الله.... هى دى الصورة الوحيدة لينا كلنا... أنا دورت عليها كتير، أصلها كانت تايهة منى».


News