Monday, February 14

بلال فضل : كان يقيناً بالله

بدأت كتابة هذه الاصطباحة اليومية فى هذه الصحيفة بتاريخ 1 نوفمبر 2008، وكان هذا هو نص اصطباحتى الأولى:

«على وجه مصر سحابة سوداء خنقت البلاد وكبست على نفس العباد.

أناس من أولاد الحلال يقولون إنها طالت واستحكمت حلقاتها، لم تستمر سحابة سوداء فى العالم مدة 27 سنة، بينما يرى غيرهم أن «أكتر من كده وربك بيزيح»، آخرون يرون الأمل كالكذب خيبة لكنهم يضيفون من باب الدقة أن عمر تلك السحابة اللعينة هو 31 سنة كل سنة أسخم من التى قبلها وأرحم من التى تليها، بينما يحلف آخرون أكثر يأسا على المصحف والإنجيل أن تلك السحابة بلغت من العمر 56 سنة، وهى بذلك لديهم تجاوزت السن التاريخية للانقشاع وصارت قدرا لا فكاك منه.

لكلٍّ وجهة هو مُوَلّيها، أما أنا فأقسم لكم بحياة هذا الصباح الشريف، وحياة النعمة التى يحفى الفقير ليطولها، وحياة بحر إسكندرية الذى ما تمنيت قدامه أمنية وخذلنى، وحياة الأمهات اللواتى ما فَوّتن صلاة الفجر يوما على أمل حضور ساعة توزيع الأرزاق دون أن ييأسن أبدا من تأخر وصول الأرزاق، وحياة قصص الحب التى لم تنهزم على كوبرى قصر النيل أو فى نفق الزواج، وحياة خيال الأطفال وواقعية الآباء الذين لم تكسر قلة الحاجة هيبتهم، وحياة الزرع الأخضر الذى يرفض التطبيع مع المبيدات،

وحياة دوشة ماكينات الطعمية وهدير ماكينات غزل المحلة بعد إضراب ناجح، وحياة روائح الطبيخ وهى تسرى فى المناور التى لم تهزمها قماءة المواسير، وحياة شاى العصارى فى البلكونات النضيفة التى لم تبهدلها الكراكيب، وحياة صالات البيوت التى لم تخنقها الكآبة، وحياة نوادى الفيديو التى تعايشت مع زحف السيديهات واستمرت فى إسعاد المخنوقين، وحياة العيش البلدى المحمص إن استطعت إليه سبيلا، وحياة القهاوى الزحمة والأتوبيسات الرايقة فى المواقف والمواقف المحترمة المكتوبة بروقان،

وحياة غُنا منير وصوت أنغام ومزيكة عمار الشريعى وأفلام وحيد حامد ومسلسلات أسامة أنور عكاشة وشعر الأبنودى وتشخيص الفخرانى وقصص محمد المخزنجى ونقاء محمد السيد سعيد وسحر أحمد خالد توفيق وسخرية جلال عامر وسمانة أبوتريكة وعقل هيكل وحس علاء الديب فى الدنيا، وحياة عيال وبنات ساقية الصاوى وستة أبريل وكفاية ورسالة وزاد وفاتحة خير وجروبات الفيس بوك الذين قد لا يحبون بعضهم البعض مع إنهم كلهم على بعضهم يتحبوا لأن شكلهم يفرح حتى لو كان بعض كلامهم يضايق، وحياة المنفيين فى الأقاليم الذين ينتظرون أن يحل فرج الله على العاصمة، وحياة السكان الأصليين لمصر الذين يفضلون الغرق فى بلادهم على الغرق خارجها.

بلاش يا سيدى، وحياة ربنا المعبود الذى يحب الصابرين، إذا صبروا، أقسم لكم أن هذه السحابة السوداء التى كبست على نَفَس مصر ستغور، وأنه سيطلع علينا صباح لن نرى فيه هذه الوجوه الكريهة التى كانت تكذب أكثر مما تتنفس فصارت تكذب ولا تتنفس،

وأن مصر ستُرزق بصباح تستحقه وساسة على قد مقامها وأيام يمكن احتمالها وأكاذيب يمكن بلعها وفساد يمكن التعايش معه وتخلف له أول من آخر، وأنه سيأتى على مصر صباح يفوق فيه المصرى لنفسه ويتكسف على نفسه عندما يرى كيف أصبح حاله ويقرر ألا ينازع الخالق فى حكمه على البشر ويتفرغ لدوره الذى نسيه كمخلوق، صباح يصبح فيه ضرب مواطن فقير على قفاه ألعن من الخيانة العظمى، صباح يعيش فيه المصريون إما فقراء على القد دون أن يفقدوا الكرامة والستر، أو أغنياء على راحتهم دون أن يفقدوا الإحساس والضمير.

سيأتى هذا الصباح، أنا أضمن لكم ذلك برقبتى، وأنا رقبتى أكبر من أى سدادة تتخيلونها، لكننى للأمانة ولكى لا أخدعكم لا أضمن لكم متى سيأتى، ولا إذا أتى متى يمكن أن ينتهى فتداهمنا سحابة سوداء من جديد، أنتم تضمنون ذلك بأنفسكم ولأنفسكم، أما أنا فأعرف فقط أن ذلك الصباح سيأتى حتما ولزما، ومصر إذا شمت هواءه النضيف لن تفرط فيه أبدا.

ربنا كريم ومصر تستاهل».

لم تكن تلك الاصطباحة نبوءة بل كانت يقيناً بالله، وأحمد الله أن يقينى بالله وقانى من اليأس وعصمنى من الإحباط، وأشكر فضله لأننى عشت اللحظة التى انزاحت فيها سحابة مبارك السوداء من على وجه مصر، وأشعر بالفخر لأننى فعلت بعض ما علىّ من أجل إزاحة تلك السحابة، لقد كانت تلك الاصطباحة أول ما كتبته فى هذه الزاوية اليومية، وأشعر أنها تستحق أن تكون آخر ما أكتبه فيها، لكى أبدأ يوما ما كتابة جديدة لا تلتزم بالتواجد اليومى ولا تنشغل بالتعليق على الأحداث، أعلم أن قرارى سيغضب الكثيرين ممن أحبونى وساندونى، لكننى أؤمن بأن ثورة الخامس والعشرين من يناير يجب أن تكون ثورة على كل ما سبقها، ثورة حتى على طرق الكتابة التى كانت سائدة قبلها، مهما كانت تلك الكتابة جميلة أو نبيلة، عن نفسى سأتوقف بعض الوقت لأبحث عن طريق جديد وكتابة جديدة فى هذه الصحيفة، لم أحدد بعد ما ينبغى أن أفعله، لكننى أحمل بداخلى أفكارا كثيرة أريد صياغتها فنا وأدبا، فقط لكى لا تضيع الشحنة التى فجرتها بداخلى هذه الثورة المجيدة التى أعادت ولادتى من جديد، دعونى أصارحكم وأنتم لستم غرباء أننى أشعر بحاجة ملحة إلى برنامج تليفزيونى ثقافى يومى أشعر أن مصر تحتاجه الآن وبشدة، وأدعو كل من يرغب من مثقفى مصر وفنانيها إلى أن نتكاتف سويا من أجل تحقيق هذا البرنامج الآن وفورا.

حتى لو كانت هذه الاصطباحة ضاغطة على أعصابك لكننى لا أريد لها أن تنتهى بدون أن أرجو الأساتذة الكرام الدكتور حسن نافعة والأستاذة فاطمة ناعوت والأستاذ سمير فريد أن يقبلوا خالص اعتذارى إذا كنت قد أسأت إليهم بما كتبته يوما ما، ولعل ما يشفع لى أننى كنت أنطلق فيما كتبته من حسن نية لا من سوء طوية، للعلم ليس إلا كنت قد اعتذرت للأستاذ سمير فريد فى اصطباحة سابقة، وأعلنت محبتى وتقديرى للعديد من كتابات الأستاذة فاطمة ناعوت فى رسائل تليفونية، وقبلت رأس الدكتور حسن نافعة فى مظاهرة جمعة الشهداء أسفل كوبرى الدقى ونحن نغالب سويا الاختناق من قنابل مبارك المسيلة للدموع والمحفزة على الثورة.

قد أكون أسأت إلى آخرين لكننى لا أجد نفسى راغبا فى الاعتذار لهم لأننى مقتنع بكل ما كتبته عنهم حتى هذه اللحظة. أشكر من كل قلبى رئيس تحرير هذه الصحيفة الأستاذ مجدى الجلاد الذى تحمل العديد من المشاكل بسبب ما كنت أكتبه، وهى مشاكل ربما ستقرأ تفاصيلها فى اليوم الذى يقرر أن يكتب فيه مذكراته عن أزهى عصور الحريات، شكرا للمشرف الفنى المبدع الدكتور أحمد محمود وكل فريق سكرتارية التحرير الذين تحملوا عناء توزيع بقية عمودى على صفحات الصحيفة، شكرا لكل القراء الذين راسلونى بانتظام وعلقوا على ما كتبته وتحملوا حدتى فى الرد عليهم حيناً وتجاهلى لهم أحيانا، وهو تجاهل لم يكن وراءه والله إلا ضيق الوقت الذى يعلمه كل من تحمل عبء الكتابة اليومية.

شكرا لشباب مصر الذين جعلونى أشعر فى شوارع الثورة أن كلماتى كانت لها جدوى، شكرا لهم لأنهم فى يوم النصر المبين جعلونى أشعر بمشاعر عصية على الكتابة مات الكثير من أساتذتى دون أن يعيشوها، شكرا لكل الذين شاركونى فى ميدان التحرير قراءة الفاتحة على أرواح كل أساتذتى الذين تمنيت أن يشهدوا تلك اللحظات الخالدة فى عمر مصر، شكرا لصاحب الفضل الأول علىّ الأستاذ إبراهيم عيسى الذى أخرجنى من الظلمات إلى النور، شكرا لكل أساتذتى الذين تعلمت من أخطائهم وأصررت على تكرار بعضها، شكرا لكل أصدقائى الذين كادت محبتهم أن تفسدنى، شكرا لابنتىّ إيمى وعشق اللتين كنت أكتب من أجل أن تعيشا فى وطن أفضل، وأخيرا شكرا لزوجتى الحبيبة التى كانت أول شىء تمنيته من الله عز وجل، أما الأمنية الثانية فقد كانت أن أرى رئيسا سابقا لمصر، والحمد لله لم يبق لدى الكثير من الأمانى، حوالى 97 أمنية فقط، فأنا طماع وربنا كريم.

تحيا مصر.


Sunday, February 13

بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 5

بلال فضل : كوكتيل الرحيل

لم أنتظر حتى يكمل اللواء عمر سليمان خطابه التاريخى الوحيد، ما إن سمعت كلمة «يتخلى» حتى جريت إلى البلكونة قبل أن أعرف تخلى عن إيه أصلا، وأخذت أهتف «الله أكبر.. تحيا مصر.. غار فى داهية.. الله أكبر.. تحيا مصر»، رفع رجل كان يمر فى الشارع رأسه نحوى بتشكك من لم يفارقه قرف الخطاب الأخير وسألنى «غار على فين؟»، وأنا وجدت أن السؤال غير مناسب،

ولذلك واصلت هتافى الهستيرى وأنا أحتضن زوجتى وكدنا نسقط سويا من البلكونة من شدة الفرحة، لكى نرحل سويا مع رحيل عهد مبارك، ونحقق أمنيتنا فى أن نموت سويا فى يوم واحد توفيرا للأحزان والمصاريف.

ابنتى ذات الأربعة أعوام والنصف رفعت فجأة سقف مطالبها بعد رحيل مبارك، هى منذ بداية الثورة مقموعة ومبعدة عن التليفزيون الذى اختفى منه الكرتون وحلت الأخبار بالأمر، كانت كل يوم فى الصباح وفور أن تصحو تنظر إلىّ كأنها مستغربة «بابا إنت اتأخرت على المظاهرة.. ممكن تنزل عشان أتفرج على الكرتون»، عندما رأت فرحتنا الجنونية قالت لى بثبات انفعالى لا يليق بطفلة «مبارك مشى؟»،

قلت لها «أيوه يا حبيبتى»، سألتنى بنفس الثبات «اتسجن؟»، مت من الضحك وهى استغلت الفرصة وقالت لى «طيب ممكن نجيب الكرتون بقى». ابنتى الكبرى ذات الثمانية أعوام كانت أعقل من أختها بحكم السن، كانت طيلة أيام الثورة تكتب منشورات بالقلم الرصاص مكونة من شعار وحيد «حسنى يا خاربها.. ارحل ياله وسيبها»، ثم تقذفها من البلكونة إلى الشارع، ومع ذلك فقد قالت لى «مبارك صعبان علىّ يا بابا.. هيشتغل إيه دلوقتى؟»، وأنا لم أجد إجابة مناسبة.

فى يوم من أيام 1999 كنت مع أخى حمدى عبد الرحيم نستجم من وعثاء البهدلة بحثا عن لقمة العيش بعد أن شردنا مبارك وأغلق علينا صحيفة «الدستور»، سألنى حمدى: لو مات مبارك دلوقتى هتكتب عنه مقالة عنوانها إيه؟

قلت له هاكتب مقالة كلها على بعضها من كلمة واحدة: غار، أخذ حمدى نفسا من سيجارته وقال لى بعد تفكير: تفتكر الرقابة هتعديها؟

كنا أيامها نعمل فى الصحف الصادرة بتراخيص أجنبية، والتى تخضع للرقابة فى أزهى عصور الحريات، وبعد مداولات عديدة حول مدى أخلاقية هذا العنوان وملاءمته للمعايير الإنسانية انفضت الندوة بتوصية واحدة هى أن هذا الرجل لن يموت إلا بعد أن يقضى علينا نحن أولا.

شوف يا أخى كرم ربنا، ها هو مبارك يرحل حيا ورغما عنه عن كرسى الحكم، لكى يتيح لى أن أقولها بملء الفم: غار، نعم لقد غار، وغارت معه كل الأوهام التى ساهمت طريقته فى الحكم والتفكير والحياة فى إشاعتها عن هذا الشعب العظيم:

شعب طائفى همه على بطنه مامنوش فايدة لا يهش ولا ينش خانع فوضوى وبق على الفاضى، غار وأخذ معه ركوده ورتابته وملله الذى جعل المعانى كلها تنتحر، غار فصرت أنا الذى كنت أرى علمنا القديم أجمل، أعشق هذا العلم إلى حد الجنون وأبكى كلما حملته أو رأيت طفلا يلوح به، أنا الذى كنت أبكى مع أصدقائى كلما سمعنا «حلوة بلادى السمرا بلادى الحرة» ونخشى أن يتهمنا أحد بالهطل، أصبحنا نبكى كل يوم فى ميدان التحرير ونحن نغنيها مع الآلاف ونحن فرحون لأننا نبكى كالرجال فرحاً بوطن حررناه بأيدينا، لم نستعد وطننا وحده، بل كل الأشياء استعادت معانيها:

ألوان العلم وكلمات الأغانى الوطنية والعاطفية والميم والصاد والراء والكتب والأشعار والبلاغة والنكتة والدموع والحرية والكلام الكبير والمبالغات الدرامية والتاريخ والسياسة والفلسفة، كل شىء عاد كما خلقه الله، كأنه خلقه أمام أعيننا، كأن مصر خرجت من رحم المجهول ثانية وتلقيناها على أيادينا، صارت الأم العظيمة ابنة لنا، وبات علينا أن نحياها بجد قبل أن نموت وتحيا هى إلى الأبد.

مشاهد كثيرة تتداخل فى ذاكرتى وأنا أكتب كوكتيل الرحيل هذا، أوضحها وأكثرها إلحاحا مشهد لا يفارقنى منذ جمعة الشهداء العظيمة لرجل مصرى أحسبه كريم العنصرين، قدم مع مظاهرة إمبابة العظيمة التى سأموت ناقص عمر لو لم أخلدها فى فيلم ملحمى سيكون أهم فيلم كوميدى عن الثورة فى تاريخ السينما،

كان يرتدى ترينج سوت كرنبى، ويمسك بصلة يشمها ثم يقول لصاحبه الذى كان يدلدق علينا الخل من زجاجة فى يده لكى نفيق قليلا من أثر الغازات المسيلة للدموع التى كادت تقتلنا خنقا عند كوبرى الجلاء «اللى زى ده مالوش جدة.. ده مايروحش جدة أبدا.. ده بعد ما نخلعه ييجى يقعد فى لعبة»، نظر إليه شاب روش مندهشا وسأله من خلف الكمامة «لعبة إيه.. ده لازم يتحاكم؟».

قال حمدى عبدالرحيم للرجل لكى يقرب الفوارق الدلالية بينهما «معلهش اعذره أصله من بتوع الفيس بوك»، تفهم الرجل موقف الشاب وأخذ شمة عميقة من البصلة ثم قال «لعبة دى فى بشتيل بعيد عنك يا باشمهندس.. أنا عايزه بقى بعد ما يتخلع نجيبه هو وعياله يقعد معانا هناك.. يعيش فى شقة تلاتين متر حمامها متر فى متر.. وياكل عيش من اللى بنطفحه.. وينزل هو وعياله يملوا ميه كل يوم من الحنفية.. عشان يعرف كنا عايشين إزاى.. اللى زى ده مالوش جدة أبدا»، جريت على صديقنا الإمبابى وأخذته بالحضن وقلت له «والله لاكتبها.. والله لاكتبها»، نظر إلىّ وظن بى السوء، وبعد أن تحقق من هويتى قال لى «مش كده برضه والنبى يا باشا؟».

تحيا مصر


Saturday, February 12

بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 4

بلال فضل : قاطم الفرحة!

كنا نظن أننا سنعود من ميدان التحرير فرحين كما لم نفرح من قبل، لكننا عدنا إلى بيوتنا مُهانين، ولم يكن غريبا أن نعود إلى بيوتنا مهانين فى عهد مبارك، فقد تفنن مراراً وتكراراً بأخطائه وسياساته وقراراته وتصريحاته فى إهانة المصريين، لكن الإهانة فى تلك الليلة اكتسبت طعما مريرا مضاعفا، ربما لأن الناس شعروا بأنهم تخلوا عن ذكائهم وصدقوا لساعات أن الله يمكن أن يقطع لهذا الحاكم عادة فيجعله يكمل فرحتهم بدلاً من قطمها كما تعود دائما وأبدا.

لا أظن التاريخ قد عرف رئيسا مثل مبارك، حظى بكم مهول من الفرص لختام مسيرته السياسية الرديئة ختاما مشرفا، لكنه أضاع كل الفرص، وقرر أن ينكد على شعبه «حتى آخر نفس»، وربما كان لله فى ذلك حكمة. وسط زحام الغاضبين المحتشدين فى التحرير وما حوله من شوارع حتى مطلع الفجر، رأيت رجلا ريفيا فى الخمسين من عمره، يرفع يده إلى السماء ويقول بفرح هستيرى «الحمد لله.. الحمد لله»، ذهبت لأسأله عما يفرحه إلى هذا الحد لعلى أفرح وأرتاح أنا الآخر، فقال لى بصوت لن أنساه طيلة عمرى: «طبعا يا بنى.. اللى زى ده ما يستحقش يخرج مرفوع الراس.. أنا كنت خايف ليخرج كده من سكات ويبقى بطل.. إنما ربنا لسه شايل له كتير»، كل دهشتك من غضب الرجل وغله ستزول عندما يقول لك إن أسرة أخيه «راحت» غرقا فى عبارة الفساد 98، ولو واصلت تجولك فى الميدان وما حوله لاكتشفت أنه تحول إلى أكبر متحف مفتوح للظلم فى العالم، ظلم سيظل يطارد مبارك ورجاله حتى يوم الحساب.

لا أدرى من هو أذكى إخواته الذى كتب الخطاب الأخير لمبارك، لكننى أزعم أنه لو كانت قد أسندت كتابته إلى لجنة مكونة من إبراهيم عيسى وعبدالحليم قنديل وعلاء الأسوانى لما كانت تلك اللجنة مجتمعة قد نجحت فى أن تثير مشاعر الكراهية والغضب والإحباط تجاه مبارك كما فعل الخطاب وكاتبه، عدت إلى البيت فأخذت أقلب فى القنوات فلم أجد أحدا حتى ولو كان من المؤيدين له وهو يعبر عن فرحة عارمة بالخطاب أو يبكى تأثرا به أو يحلل بحماس معنى دفينا يكمن بداخله، الكل خائف وقلق ومتوتر، لأن الكل أدرك أننا أمام رجل يتملكه الفهم الخاطئ للكبرياء، رجل يخوض معركته الأخيرة ضد شعبه من أجل إنقاذ نفسه فقط، رجل غرق فى الأوهام حتى صارت الأوهام ذاكرته، يظن أن شعبه سيصدقه عندما يقف ليقول إنه لن يقبل إملاءات أجنبية من أحد، على أساس أن الشعب كان نائما طيلة الثلاثين عاما ولا يعرف كل ما فعله لخدمة أمريكا وإسرائيل، وأننا لم نعرف أبدا بكفاح إسرائيل المستميت منذ اندلاع الثورة لإبقائه على كرسيه حفاظا على مصالحها.

لا أدرى كيف أقنعه كاتب الخطاب بأن يقول جملة مثل «أغلبية المصريين يعرفون حسنى مبارك، ويحز فى نفسى ما ألاقيه من بعض بنى وطنى»، أقسم بالله أننى شعرت بالألم وأنا أستمع إلى تعليقات المئات على جملة كهذه وأنا أستمع إليه على قهوة فى عابدين، شعرت بالألم لأن مصر ابتليت بحاكم يأبى حتى اللحظة الأخيرة أن يواجه الحقيقة، ها هو يعترف بأنه يخطئ ولكن بعد فوات الأوان، ها هو يتذكر دماء الشهداء ولكن بعد أن تحولت إلى لعنة تطارده، وها هو فى نفس الخطاب يقول جملته السابقة ليكشف أنه ليس مقتنعا أصلا باعتذاره ولا باعترافه، فهو لايزال يعتقد أن أغلبية المصريين تحبه وتعشقه، وأن هناك فقط قلة مندسة هى التى خرجت لتملأ شوارع مصر مطالبة بإسقاط نظامه، لايزال منشغلا بما قاله الناس عنه، وليس مشغولا بما فعله بهم.

لعلمك أنا فى لحظات كهذه تظهر علىّ سذاجة غريبة، فآخذ فى سؤال نفسى ومن حولى أسئلة بلهاء من نوعية «ماحدش من اللى حواليه بيفرجه على التليفزيون عشان يشوف اللى بيجرى فى كل ميادين مصر؟.. مابيخليهوش يقرا الجرايد؟.. ده حتى جرايد الحكومة بقت مع الناس وضده.. هو مابيقراش التقارير الدولية اللى بتكشف إن مصر بقت فى حالة يرثى لها فى عهده؟»، وأصدقائى يعرفون أن الحل الوحيد لإخراجى من حالة كهذه هو تذكيرى بعدة أمثال شعبية لا يصلح جميعها للنشر، لكنها تنجح دائما فى إيقاف أسئلتى الساذجة، وللأسف لا تنجح فى إيقاف حزنى على مصر التى لا يريد مبارك لها أن تعيش فرحة غير مقطومة.

الحمد لله على الفرحة وإن كانت غير مكتملة، فها نحن قد أسقطنا الرئيس، وسنواصل ثورتنا السلمية البيضاء الراقية المتحضرة ليس فى ميدان التحرير وحده بل فى مصر كلها، حتى يكتمل إسقاط نظام مبارك فقط عندما نحاسبه هو ورموز عهده على جرائمهم فى حق الشعب، وعندما يسترد المصريون أموالهم الموجودة فى حساباته وحسابات رجاله، وأخيرا عندما يحصل الشعب المصرى على كل حقوقه المشروعة: دستور محترم يكفل تداول السلطة والفصل بين السلطات والسيادة للشعب، انتخابات نزيهة تحت إشراف قضائى ورقابة دولية، عدالة اجتماعية تكفل حدا أدنى عادلا للأجور وتكافؤا فى الفرص بين كل المصريين، وقضاء مستقلا عن السلطة التنفيذية، وجهاز شرطة مدنياً يستمد هيبته من سلطة القانون وليس من شخطة الضابط، وحريات كاملة غير منقوصة، وحياة سياسية سليمة تفرز حكومات منتخبة تدرك أن خلاص مصر ينحصر فى إصلاح التعليم ونشر الثقافة.


الشعب اسقط النظام



اغنية صوت الحرية

انا بحبك يا بلادي

وخلعنا الريس

مش عارف اضحك ولا اعيط .... بعد ما كنت اعتقدت وتاكدت تماما اني حاعيش واموت ولسه مبارك هو اللي بيحكم او علي الاقل حد من ريحته .صحيح انا لما اتولدت كان السادات الله يرحمه هو رئيس الدولة بس مش اوعي عليه قوي ... لكن للاسف اول ما ابتديت اوعي وافهم واميز الناس اللي حواليا .. ماكنش فيه غير غراب البيت ده هو اللي في وشي علي مدار السنين اللي فاتت .
عمري 35 سنه تقريبا ومكنتش اصدق انه حاييجي اليوم اللي حاصبح فيه الصبح مالاقيش مبارك ....
فرحااااااان مووووت ... لحظة ماسمعت عمر سليمان وهو بيقول تنحي .. من قبل ما يقول بقيت السطر كنت بصرخ باعلي صوتي لدرجة حسيت ان صوتي وصل لميدان التحرير ....
خلعنا مبارك .. وليس تنحي .... مسمار مصدي كان لازق في جسم مصر
خازوق مغري راشق في جسمك يابلادي .. وعمال ينشر الغرغرينا في كل حته فيكي .. عايز يسيبك دايما مريضة ومحتاجة علشان ماتفوقيش وتحاسبيه علي اللي عمله فيكي .
صمودك يا مصر وصمود ولادك .. خلع المسمار منك .... صمودك يا مصر وصمود ولادك .... حايخفف الامك .. ويداوي جراحك

الله اكبر .... الله اكبر
سقط الطاغية ... وستسقط معه كل الحاشية ان شاء الله


Thursday, February 10

بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 1

بلال فضل : لا نريد فرعوناً جديداً

يقولون تكلم حتى أراك، وقد تكلم اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، كثيرا حتى قلنا ليته سكت، ليحتفظ بعضنا له بصورة رجل الدولة القدير الذى تنتظر منه مصر الكثير فى فترة انتقالية تعقب رحيل مبارك.

إذا كان اللواء عمر سليمان يظن أن ثورة 25 يناير قد قامت ضد شخص حسنى مبارك فإنه يخطئ كثيرا، لأنها تفجرت ضد نظام سياسى بأكمله يتعالى على المصريين ويتعامل معهم بوصفهم قاصرين لا يستحقون أن يتمتعوا بكل ما تتمتع به شعوب الأرض من حقوق وحريات، لذلك فهو لا يقدم للبلاد خيرا عندما يرى أننا شعب غير مؤهل للديمقراطية لأننا بنص تصريحه «لم نتعلم بعد ثقافة الديمقراطية»، وهو تصريح يعيد البلاد كلها إلى نقطة ما تحت الصفر التى عاشت فيها ثلاثين سنة، بينما لو كان قد نزل إلى ميدان التحرير أو أرسل كاميرات أمينة تصور له ما يجرى هناك لأدرك أن المصريين شعب عظيم حقا لأنه تمكن دون عون من أى سلطة حاكمة أن ينشئ مجتمعا ديمقراطيا يتعايش فيه مئات الآلاف سلميا كل يوم دون فتنة طائفية أو سرقة أو تحرش أو انفلات، ثم إذا كان هذا رأى عمر سليمان فى المصريين فلماذا إذن يتبنى مشاريع إصلاح سياسى ودستورى من أجل شعب غير مؤهل للديمقراطية.

لا أدرى كيف ستتحقق مصلحة مصر على يدى عمر سليمان فى هذا الوقت الذى تلتهب فيه العواطف من هول الظلم والفساد والجبروت عندما يقول لكريستيان أمانبور، مراسلة تليفزيون «إى. بى. سى»، إنه يأمل أن يعترف من سماهم «الأشخاص الموجودين فى ميدان التحرير بأنهم لم يعملوا لمصلحة البلد»، وعندما يصر على أنهم «مدعومون من أجانب»، وعلى أنه لم يُقتَل أحد برصاص بندقية أو قناصة، بينما لو طلب تقارير دقيقة لجاءته شهادات من أهالى شهداء قتلوا برصاص خسيس فى رؤوسهم وصدورهم، لماذا يصر سيادة النائب على فكرة أن ثورة المصريين هى التى تدفع إلى الفوضى؟، بينما الجميع يعلم أن الفوضى خُلقت عمداً لإحباط هذه الثورة، وأن الخطر الذى يتهدد مصر ليس ثورة المصريين وإصرارهم على نيل حقوقهم كاملة، بل هو عناد شخص واحد يقامر بمستقبل البلاد كلها.

فى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، قال سيادة النائب عن العالم المصرى الدكتور أحمد زويل «مع احترامى الشديد لهذا العالم، فإن الدكتور زويل بعيد جدا عن المجتمع المصرى ولا يعلم كيف يتحرك، ولم يخرج من فندق ماريوت، وكل لقاءاته تتم فى هذا الفندق، فكيف أعتمد عليه»، وبغض النظر عن لهجة التعالى الموجودة فى حديثه عن عالِم قدم لمصر أكثر مما قدمه كل رموز نظام مبارك، فإن السؤال يبقى: إذا كانت إقامة الدكتور زويل فى أمريكا تبعده عن المجتمع المصرى، وهذا غير صحيح بالمناسبة، فما الذى يبعدكم عن معرفة المجتمع المصرى وأنتم لا تقيمون فى فندق ماريوت، وهل يفترض أن يشعر الناس بالثقة عندما تقولون لهم إنكم كنتم تعلمون بثورة شباب الـ«فيس بوك» قبل قيامها بعام كامل وقيل لكم إنه سيشارك فيها مائة ألف شخص، هل هذا الكلام يفترض به أن يطمئن حتى الذين لا يتفقون مع هذه الثورة ومطالبها، ولماذا الإصرار على الخلط فى أحاديثه بين النظام والدولة فى حين لم يقل أقل المتظاهرين وعيا إنه يريد إسقاط الدولة، بل تحدث الجميع عن إسقاط نظام فاسد حكم أعظم دولة فى التاريخ فصنع بها ما لم يصنعه أعدى أعدائها.

يقول سيادة النائب فى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف «كيف أنزل إلى ميدان التحرير ولا توجد قيادة أتحدث معها، لو نزلت وتحدثت مع أحد الأشخاص فسيقول آخرون بميدان التحرير لزملائهم أنتم خائنون»، ولا أدرى لماذا لم يقم بسؤال سيادة المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع، عن المرتين اللتين نزل فيهما إلى ميدان التحرير والتقى بالمتظاهرين وعاملوه بكل الاحترام الذى يليق بالمؤسسة العسكرية، فخر المصريين وحامية تراب الوطن، لا أدرى هل شاهد سيادة النائب صورة اللواء حسن الروينى، قائد المنطقة المركزية، التى نشرت على صدر صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية منذ أيام وهو يقبل بأبوية حانية رأس أحد المتظاهرين الملتحين، وهى صورة تستحق أن تُخلّد فى سجل التلاحم بين الجيش والشعب. لم يقم أحد فى ميدان التحرير بتخوين أحد، وإنما تضايق الكثيرون من المتظاهرين من أسلوب اختيار أفراد دون غيرهم بشكل غير ديمقراطى للحديث باسم ثورة شعبية ديمقراطية.

وبالتأكيد كان الجميع سيسعدون لو رأوا نائب رئيس الجمهورية يأتى إليهم فى ميدان التحرير ليستمع إليهم مباشرة دون تقارير تنقل إليه معلومات تتهمهم بأنهم مدعومون من أجانب ولديهم أجندات، مستعد أن أحلف على المصحف أن الجميع كانوا سيرحبون بعمر سليمان أجمل ترحيب لو جاء مبكرا إلى التحرير، ولو اختار منهج الاحتواء بدلا من أسلوب التهديد المبطن بأن «الدولة لن تتحمل المزيد من الاعتصام»، وكان سيسمع بأذنيه أن كل مطالب المتظاهرين مرهون تحققها بمطلب واحد هو رحيل الشخص الذى أصبح رمزا لنظام غير كفء وغير محترف واستنفد كل فرص التغيير والإصلاح، حتى إنه عندما جاءت لحظة الحقيقة لم يختر أن يواجهها بل اختار أن يضحى بأناس هو الذى منحهم السلطة والمناصب وهو الذى ظل يساندهم حتى اللحظة الأخيرة.

كنت آمل أن ينحاز اللواء عمر سليمان إلى قيم الحداثة والعصرية، خصوصا وهو الرجل الذى قضى سنوات على رأس مؤسسة تتعامل بأسلوب حديث وعصرى وتطور نفسها وأداءها يوما بيوم، لذلك استغربت أن يصر فى كل أحاديثه على فكرة الرئيس الأب الرمز ويعتبر أن ثقافة المصريين ضد فكرة تنحية الرئيس، ويصر على تكرار تذكير المصريين ببطولة الرئيس فى حرب أكتوبر، متناسيا أن هذه البطولة وحدها هى التى منحت مبارك شرعية الحكم لأكثر من ربع قرن، فماذا فعل بها الرئيس ولماذا لم يستخدمها فى ترسيخ العدل والتقدم والكرامة بين المصريين، وفى أى شرع أو قانون يمكن أن تلغى بطولة الرئيس مسؤوليته السياسية عن تردى أحوال البلاد وقتل المتظاهرين الأبرياء، ولماذا الإصرار على تجاهل أن ملايين المتظاهرين يريدون للرئيس أن يرحل عن منصبه لا عن وطنه، لا يريدون له حتى أن يتعرض لما تعرض له من قبله بطل من أبطال حرب أكتوبر هو الفريق سعد الدين الشاذلى الذى رحل عن وطنه لسنوات طويلة.

لا أدرى لماذا مازلت أحمل فى داخلى اعتقادا بأن رسالة الثورة قد وصلت إلى النائب عمر سليمان، وأن تصريحاته غير الموفقة تلك وراءها رغبة إنسانية فى مساندة رئيس خدم معه سنين طويلة وارتبط به إنسانيا، وأن رجل مخابرات مثله لا يمكن أبدا ألا يكون قد عرف الحقيقة كاملة، بالطبع لن يكون لاعتقادى هذا أى معنى إذا استمر سيادة النائب فى تلك السلسلة من التصريحات التى تعيد إنتاج ما عشناه طيلة الثلاثين عاما الماضية، وفى كل الأحوال أعتقد أن نائب رئيس الجمهورية سيجد نفسه هو وكل كبار قيادات السلطة فى مصر مضطرين فى الأيام القادمة للإجابة عن سؤال مصيرى وحاسم: ولاؤنا لمن؟ للشعب المصرى أم لشخص أيا كانت محبتهم له؟.

يا سيادة النائب: لم يعد المصريون شعبا قاصرا بحاجة إلى فرعون أيا كان، لقد التحقوا بركب العصر أخيرا، ولن يستطيع أحد أن يعيدهم إلى الوراء ثانية أيا كانت التضحيات.


Wednesday, February 9

بلال فضل : بكى وائل وضحك الرئيس!

فى شهر أبريل من عام 2009 دعا العديد من المجموعات الشبابية على موقع الفيس بوك إلى إضراب شامل فى عموم البلاد لاستعادة ذكرى إضراب ستة أبريل فى عام 2008 الذى كان برغم بساطته حدثاً صاعقاً فى تاريخ البلاد، وبعد أن احتشد نظام مبارك بقضه وقضيضه وجلاديه وكذابيه لكى يفشل تلك الدعوة الشبابية الصادقة، خرجت كل الصحف والفضائيات الحكومية لتسخر من شباب الفيس بوك الذين باتت تصفهم اليوم بأنهم «شباب زى الورد» بعد أن صدرت أوامر جديدة لأنفار الإعلام بسرعة امتصاص الغضب. فى يوم 8 أبريل 2009 نشرت فى نفس هذه المساحة مقالا كان يبدو يومها حالما ويائسا فى نفس الوقت، اليوم أعيد نشره وأهديه إلى كل من خطت قدماه على أرض مصر لتهتف حنجرته بإسقاط الرئيس أو ترفع يداه لافتة تطلب رحيله، أهديه إلى كل الصامدين فى الشوارع والميادين من أجل حريتهم وكرامتهم ومستقبل عيالهم، أهديه إلى فخر الشباب المصرى وائل غنيم الذى بكى وأبكى المصريين لأنه يشعر بالأسى على دماء الشهداء التى أسالها «المِتَبِّت على الكرسى»، بينما فى نفس اليوم ظهر الرئيس حسنى مبارك مستقرا على كرسيه يضحك وسط رجال حكمه لكى يشعرنا بأننا جميعا لا نعنى شيئا بالنسبة له. بكى وائل وخرج من الاستديو لأنه شاهد صور شهداء لم يقتلهم، أما الرئيس الذى كان يجب أن يخرج من الحكم متحملا المسؤولية السياسية عن قتل هؤلاء فقد خرج علينا ضاحكا، وكل الذى قدره عليه الله أن يعلن تشكيل لجنة تحقيق فى الأحداث.. الأحداث!.. هكذا قرر أن يصف المجزرة، كأن هؤلاء الأبرار الذين استشهدوا كانوا مجرد فراخ ذهبت ضحية لأنفلونزا الطيور، يظن الرئيس ورجاله أن كرامة مصر تنحصر فى بقائه على منصبه، يظنون أن وجوده أغلى من دماء شبابنا، أهم من أحلامنا، يظنون أنهم سيخلدون فيها للأبد، وأنهم سيفلتون من الحساب الدنيوى والأخروى. عندما شاهدت ضحكة الرئيس المتعالية التى لا تعبأ بدماء الشهداء ولا أحزان البسطاء، تذكرت هذه المقالة التى لم أكن أتنبأ ولو للحظة أن الواقع سيتجاوزها إلى ما هو أفضل وأجمل وأنبل، وقررت أن أعيد نشرها، لأجدد ثقتى بأن اليأس لم يعد له مكان اليوم بيننا، فالمنتصرون لا ييأسون وهم يرون أسوار القلعة تنهار أمامهم ببطء، وأنه ليس أمامنا سوى الصبر والصمود حتى تضحك مصر فى النهاية عندما يرحل مبارك:

«من غير مزايدة ولا جعجعة ولا تشنج ومن أعماق قلبى أقولها: مبروك لمصر نجاح إضراب ستة أبريل.

نعم نجح إضراب ستة أبريل، لأن الدنيا كلها لم تسمع عن إضراب فاشل تحشد أقدم دولة بوليسية فى العالم من أجله كل ضباطها وجنودها ومخبريها الشرطيين والصحفيين والبرامجيين والجامعيين، وعلم الصحافة لم يشهد فى تاريخه المديد إضرابا فاشلا يحتل مانشيتات الصحف الحكومية الرئيسية التى أظهرت على طريقة الدبة التى بطحت صاحبها كم هو متهرئ ومذعور وبائس ذلك النظام الذى يهز طوله وعرضه لقمع من يطلق هو عليهم «شوية عيال»، وتاريخ مصر الذى لا يهتم به حكام مصر الآن المشغولون أكثر بالجغرافيا لأنها «تلزمهم أكتر فى البيع»، هذا التاريخ سيسجل عليهم فى صفحات عاره أنهم قرروا تعويض هزائمهم المتوالية فى شتى المجالات بالانتصار بأقدام وبيادات بعض رجال أمنهم المنتسبين إلى الرجولة زوراً على فتيات كفر الشيخ اللواتى صدقن دعوة السيدة سوزان مبارك إلى ضرورة المشاركة السياسية للمرأة.

قولوا لنا بالله عليكم متى شهدت الدنيا إضرابا فاشلا يتوفر له كل هذا القدر من المحللين والمنظرين والملغوصين والمهجصين الذين لم يخرج الواحد منهم فى شبابه فى مظاهرة ضد أى احتلال أو قمع إلا ليلتصق ببناتها أو شبانها، ولم يعلن أحدهم عن رأيه ولو حتى فى صحيفة الوسيط، ولم يفعل شيئا عليه القيمة وهو طالب سوى صم كتب التعليم وطرشها فى ورقة الامتحانات، ثم عندما يحتل موقعا ما بفضل ربطه للحمار مطرح ما يعوز الحمار وبركة تقارير الأمن التى تزكيه إما لأنه ماشى جنب الحيط أو لأنه كان يتسلق على الحيط ليلحق بموعد تسليم التقارير الأمنية فى زملائه، إذ به يتحول «فجأتن» إلى قيادة طلابية مخضرمة لها باع فى فك العمل الطلابى، ويتمترس فى عموده الذى يدعو القراء الله ليل نهار أن يقع عليه، فيتخذ من ذلك العمود منصة إطلاق لروشتات الوطنية لشباب مستقل لم يكن يوما بتاع حد، ثم يجرى بالليل إلى استديوهات الفضائيات المكيفة لكى يتصبب قلقا على البلد التى تهددها الفوضى وكأنها كانت قبل إضراب ستة أبريل، وطن المنطق وأرض العدالة وبلد الاتساق مع النفس.

يا أيها المنتفشون بزهو انتصاركم المظفر على الأمل وإحباطكم الحاسم لمجىء بكره، والله العظيم تلاته لو كان فيكم رجل ذو فكر مبارك أو سياسة نظيفة أو عقل رشيد أو نهج حبيب أو منطق يبعث على السرور، لقبّلتم رؤوس وأيادى هؤلاء الشباب والفتيات ولأخذتموهم فى أحضانكم وحاجيتم عليهم واستمعتم إليهم وتعلمتم منهم أو حتى على الأقل تحاورتم معهم، ولدعوتم كل شاب فى مصر لأن يكون مثلهم، ولما تبطرتم على نعمة أن يرزق الله مصر بشباب زى الورد لم يرفعوا المصاحف على أسنة إحباطهم ولم يشهروا فى وجوهكم تفسيراتهم المتطرفة للنصوص، ولم يتدوروا على بعضهم البعض بحثا عن علامة الصليب التى تحدد طريقة المعاملة، ولم يتكتلوا خلف أسوار الكنيسة، ولم يهربوا إلى المخدرات تعاطيا وتجارة وعشقا، ولم يتركوا بلادهم لكم ويرموا أنفسهم فى قوارب الهجرة غير الشرعية، ولم ينذروا أنفسهم لجروبات التفاهة والانحطاط على الفيس بوك، ولم يقضوا حياتهم فى شتم البلاد التى باضت لآبائهم ذهبا والشكوى من ناسها البيئة وأهلها العشوائيين وحالها اللى مش ولا بد، ولم يقرروا أن يطرمخوا على حقوقهم، أو يرتضوا أن يكونوا بلياتشوهات تمسك أوراقا وتتحرك بالريموت كونترول فى الزيارات المفاجئة التى لا تكف عن مفاجأتنا بمدى النفاق المتراكم فيها، ولم يديروا ظهورهم لألعابكم الممجوجة التى احتكرتموها منذ أكثر من خمسين عاما وصرتم كباتنها وحكامها وجمهورها، ولم يحذوا حذو ملايين غيرهم قرروا أن يسلكوا أمورهم بمعرفتهم فى دهاليز البلد التحتية التى تزداد كل لحظة تشعبا وخطورة واستعصاء على الشكم.

يا سادة الغضب الذى أنتم فرحانون لأنه لم يتفجر بفضل الأثر الرجعى لقمع ستة أبريل اللى فات ستبكون يوماً ما ندماً لأنه لم يتفجر فى صورة اعتصامات سلمية وإضراب حضارى ومظاهرات تجأر بشكواها من فسادكم وظلمكم، فالتاريخ الذى كنتم تزوغون فى حصصه يعلمنا أن الغضب عندما تغلق فى وجهه الباب سيخرج لك يوما من كل الشبابيك عنفا وعدوانية وسطوا مسلحا وتحرشا جنسيا وفتنة طائفية ونهبا للمال العام واستحلالا للمحرمات ويأسا مسرطنا لا يجدى معه الكيماوى ولا المسيل للدموع ولا الأمن المركزى ولا الصحف «العضاضى» ولا العلاوات الفشنك ولا هتافات الفخر المنبعثة من أجهزة اللاسلكى « كله تمام سعادتك.. قبضنا على الغضب يا افندم».

(كان هذا ما كتبته فى أبريل 2009، واليوم عندما أمشى فى جنة التحرير أدرك كم هى جميلة أحلام الشباب، وكم هى أجدى وأبقى من اليأس والإحباط والتشاؤم والتنظير والتقعير، فأهتف من أعماق قلبى: تحيا مصر ويسقط نظام حسنى مبارك).


Monday, February 7

بلال فضل : رامى مات عشانكو

اتضح أن الكفن ليس له جيوب، لأن لديه حسابات فى بنوك سويسرا وأراضى وعقارات وشققاً وبلاوى متلتلة لا يمكن لأى كفن مهما كانت متانة نسيجه أن يتحملها.

على مدى أيام متوالية ظلت ثورة يناير تتعرض لأشرس حملات التشويه والتحقير من قبل رموز إعلام العقيد أنس الفقى ورئيس انقطاع الأخبار عبداللطيف الأمناوى وقناة الحزب الوطنى المعروفة بقناة المحور بالإضافة إلى عدد من البرامج التى كان مذيعوها يرتدون قناع الاستقلالية ثم لما تطلبت الأمور أن يحسموا مواقفهم اختاروا الانحياز لأولياء نعمتهم. هؤلاء جميعا لم يتركوا كلمة نُشرت أو أذيعت فى وسيلة إعلام أجنبية وبها تشويه لهذه الثورة أو تشويش عليها إلا وهللوا لها وكرروها بدل المرة ألف مرة، دون حتى أن يتحققوا من مصداقيتها أو يقوموا بتحليلها، لكنهم عندما نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية العريقة وصاحبة السمعة المهنية الناصعة تقريرا بالأسماء والأرقام والعناوين عن ثروة الرئيس مبارك وأسرته لم ينبسوا ببنت شفة عنه ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء إحضار أحد من رموز النظام لمناقشته وتفنيده وتكذيبه، وكأن تجاهل ذلك التقرير سيجعله سرا مدفونا، كما حدث من قبل لتقارير أخرى نشرت صحيفة «الدستور» المغدورة أحدها فتعرضت لحملات تشويه عاصفة انتهت بقتلها على يد أحد رجال القصر الذى يتفاوض الآن باسم الثورة مع أنه لا يجرؤ على أن يسير وسط المتظاهرين فى ميدان التحرير لكى لا يسمع ما يرضيه.

لى صديق أصبح معبأ بكم هائل من الأكاذيب الإعلامية التى تتحدث عن وجود أجندات خاصة لأنصار الثورة بعضها إيرانى وبعضها إسرائيلى والآخر أمريكى، جاءنى شاكيا ومحتارا، فأريته كيف تخلصت من كل الأجندات التى كنت أمتلكها تحسبا لأى عمليات مداهمة أمنية، وعندما طلب منى أن أتوقف عن الهزار الماسخ وأناقشه فيما سمعه، قلت له جملة واحدة «اذهب إلى التحرير وتحقق بنفسك»، وذهب صديقى إلى التحرير بنفسه، ليفعل ما لم يفعله الإعلاميون الذين اكتفوا بالمراسلين المعتمدين من أمن الدولة الذين يصطادون لهم على التليفون أصحاب الآراء المتشددة أو يحضرون لهم إلى الاستديو شبابا يخضع لكشف هيئة أمنية قبل حضوره، (بدأ ذلك يتغير مؤخرا بفضل ضغوط سياسية وشعبية بعد أن صارت فضيحة تلك البرامج بجلاجل)، عاد إلىّ صديقى منهارا فى البكاء وهو يقسم لى أنه قضى أجمل ساعات فى عمره على أطهر أرض فى مصر، أرض روتها دماء الشهداء الزكية، فى الميدان غنّى صديقى وصلى وهتف وتناقش وضحك وبكى وتقاسم اللقمة مع أناس لا يعرفهم ولمس روح مصر وتغير إلى الأبد، فى الميدان شاهد صديقى أم الشهيد رامى جمال التى تعالت على أحزانها وجاءت إلى الميدان لتقول لزملاء ابنها وهى تغالب بكاء لم يقدروا هم على مغالبته «يا ولاد شدوا حيلكو.. رامى مات عشانكو.. رامى ماكانش ليه فى السياسة والله.. ده ماكانش بيعرف يشترى لنفسه بالعافية غير تيشيرت وبنطلون.. ده هو لما سمع إن المظاهرات هتطلع جانى وقالى يا ماما أنا لازم أطلع مع الناس دى.. أنا خلاص زهقت.. لا عارف أتجوز ولا عارف أعيش.. أنا حقى ضايع ولازم أجيبه».

لكن كثيرين من الذين مات رامى «علشانهم» للأسف يلعنونه كل يوم هو ورفاقه، فهم الذين «وقفوا حالهم وجوعوهم، هم شوية عيال سيس صايعة فاضية ماوراهاش حاجة قلالات الأدب مش عاجبهم الرئيس الأب القائد الرمز»، وهى عبارات استمعت إليها وقرأتها فى وسائل إعلامية عديدة، ولم أستغرب رغم أننى تألمت، لأنها ببساطة نتاج حملات إعلامية شرسة قادها ضباط أمن الدولة بأنفسهم بعد عودتهم المظفرة من الاختفاء، لم يفكر الذين قالوا ويقولون تلك العبارات فى أن أولئك الثوار لم يكونوا أبدا وراء إصدار الأمر باختفاء قوات الشرطة من الميدان لكى يهرب المساجين وينطلق البلطجية وتعم الفوضى ويصدر قرار حظر التجول وتغلق البنوك والمتاجر، وكل ذلك من أجل أن يفكر الملايين فى مصالحهم الضيقة المشروعة وينسوا أن هؤلاء الأحرار خرجوا لكى يصنعوا لوطنهم أفقا واسعا رحبا يمكن فى ظله أن يعيش كل مصرى بكرامة ورخاء وحرية إلى الأبد.

هؤلاء المخدوعون لم يقرأوا فى «الجارديان» أن الرئيس الأب القائد الرمز الذى تقول وسائل إعلامه إن هؤلاء الشباب خربوا البلد وضيعوا على مصر ثلاثة مليارات دولار حتى الآن، لديه ولدى أسرته كما تقول «الجارديان» ثروة قد تصل إلى 70 مليار دولار، بل تكشف لنا أن المصريين المقيمين فى لندن ذهبوا ليتظاهروا أمام عمارة فاخرة.

يمكنك أن تشاهد صورتها لو أحببت فى موقع صحيفة «الصن» وعنوانها 28 ويلتون بالاس فى بيلجرافيا وسط لندن، فضلا عن تفاصيل أخرى لم أرد أن أنقلها لأننى خفت أن تكون هناك مبالغة بها، مع أننى أعلم أن صحيفة مثل «الجارديان» تمتلك معايير شديدة التدقيق فيما تنشره من تقارير، ولم أرغب فى أن أشير إلى ما أذاعه تليفزيون بلومبيرج المتخصص فى الشؤون الاقتصادية عن الموضوع نفسه، فضلا عما نشرته محطة الـ«إى. بى. سى» الأمريكية التى استقبل الرئيس مراسلتها منذ أيام.

أعلم أنه سيخرج علينا كتَّاب الحراسة لكى يعقروا كل من يشير إلى هذه التقارير، زاعقين بأنها ليست سوى مؤامرة أمريكية إسرائيلية، على أساس أننا نحن الذين كنا نحمى مصالح أمريكا ونتحالف مع إسرائيل ونبيع لها الغاز برخص التراب، سينشرون البلبلة بين الناس ويقولون لهم لماذا لم يتم نشر هذه التقارير من قبل، مع أن أى متابع للصحيفة الأجنبية يعلم أن هذه التقارير كانت تنشر، لكنها المرة الأولى التى تنشر فيها بهذه التفاصيل الدقيقة، ربما لأن هناك جهات فى مواقع القرار الغربية قررت أن ترفع يدها عن دعم النظام بعد أن اتضح أن مصالحها مهددة بفعل حالة الغضب الشعبى العارمة، وهو موقف سيظل يدين الغرب للأبد لأنه يواصل دعم الأنظمة الفاسدة حتى لحظة انهيارها فيتذكر فجأة قيم الديمقراطية والإصلاح والعدالة. على أى حال السؤال الآن: لماذا يصمت النظام ويصمت الرئيس مبارك شخصيا على كل هذه التقارير، لماذا لا يخرج إلى المصريين لكى يكذبها رقما رقما، لماذا لا يمسك صورة العقار اللندنى الفاخر ليقول للمصريين أنا لا أعرف شيئا عنه، لماذا لا يصارح شعبه بحقيقة ثروته، ولماذا لا يشارك أبناءه المواطنين الفقراء فى ثروته، هذا إذا سلمنا أن الرئيس أب لكل المصريين رغم كل ما فى هذا المفهوم من مجافاة ليس فقط لروح العصر ولكن لقيم ثقافتنا العربية الإسلامية التى وقف فيها يوماً مواطن ليحاسب الخليفة معاوية على ثروته قائلا له بصريح العبارة «إنه ليس من كدّك ولا كدّ أبيك»، ولم يعتقله معاوية أو يبعث إليه بلطجية لكى يطعنوه بالسنج، بل أجابه بكل هدوء ودهاء.

هل الرئيس مبارك يمتلك هو وأسرته كل هذه الثروات التى تتحدث عنها «الجارديان» البريطانية، إذا لم يكن يمتلكها فلماذا لا يرفع فورا دعوى قضائية على الصحيفة ويطلب منها تعويضات ضخمة يخصصها لصالح أسر الشهداء الذين قتلهم رجاله بالرصاص الحى والمطاطى، أما إذا كان يمتلكها فعلا فلماذا لا يقوم بدفع الخسائر التى خسرها الاقتصاد المصرى من موقع مسؤوليته كرئيس وأب لا يرضيه أن يمتلك شاب اسمه رامى كام تيشيرت وبنطلون ثم يُقتل غدراً وهو يدافع عن حقه؟!


Friday, February 4

Dazzle pop Provide a variety of services in the area of electronic marketing to help you to develop your business and enter new markets and offer your products and services to new customers.


Dazzle pop is an e-marketing solutions for all your needs .
  • helping you to market your products or services what ever what it is
  • presenting a new e-marketing plans cover your needs
  • open new markets , target new customers
  • what ever you need you will find it with us




    News